Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 94-94)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { السَّلم } بالقصر : الانقياد والاستسلام ، وبالمد : التحية . وجملة { تبتغون } : حال من الواو ، مشعرة بما هو الحامل على العجلة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم } أي : سافرتم وسرتم تجاهدون { في سبيل الله } ، { فتبينوا } الأمور وتثبتوا فيها ولا تعجلوا ، فإن العجلة من الشيطان ، { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم } أي : الانقياد والاستسلام ، أو سلَّم عليكم تحية الإسلام ، { لست مؤمنًا } إنما فعلت ذلك متعوذًا خائفًا ، فتقتلونه طمعًا في ماله ، { تبتغون عرض الحياة الدنيا } وحطامها الفاني ، { فعند الله مغانمُ كثيرة } وَعَدَكُم بها ، لم تقدروا الآن عليه ، فاصبروا وازهدوا فيما تَشُكُّون فيه حتى يأتيكم ما لا شهبةَ فيه ، { كذلك كنتم من قبل } هذه الحال ، كنتم تخفون إسلامكم خوفًا من قومكم ، { فمنَّ الله عليكم } بالعز والنصر والاشتهار { فتبينوا } وتثبتوا ولا تعَجلَوا ، وافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل اللهُ بكم ، حيث حفظكم وعصمكم ، ولا تبادروا إلى قتلهم ظنًا بأنهم إنما دخلوا فيه اتقاء وخوفًا ، فإن إبقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل مؤمن ، وتكريره تأكيد لتعظيم الأمر . ثم هدَّدهم بقوله { إن الله كان بما تعملون خبيرًا } مطلعًا على قصدكم ، فلا تتهافتوا في القتل ، واحتاطوا فيه . رُوِي أن سريةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم غزت أهل فَدَك فهربوا ، وبقي مرداسُ ثقًة بإسلامه ، لأنه كان مسلمًا وحده ، فلما رأى الخيلَ ألجأ غَنَمه إلى عاقول من الجبل ، وصعد عليه ، فلما تلاحقوا وكَبَّروا ، كَبَّر ونزل يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، السلام عليكم ، فقتله أسامةُ ، واستاق غنمه ، فنزلت الآية . فلما أُخبر عليه الصلاة والسلام وَجِدَ وجدًا شديدًا ، وقال لأسامة : " كيف بلا إله إلا الله ، إذا جاءت يوم القيامة ؟ ! " قالها ثلاثًا ، حتى قال أسامة : ليتني لم أكن أسلمتُ إلا يومئٍذ ، ثم استغفرَ له بعدُ ، وقال له : " اعتق رقبة " وقيل : نزلت في المقداد ، مرَّ برجل في غنمه فأراد قتله ، فقال : لا إله إلا الله ، فقتله وظفر بأهله وماله ، وقيل : القاتل : مُحلِّم بن جَثَامة ، والمقتول : عامرُ بن الأضبط . والله تعالى أعلم . الإشارة : يستقاد من الآية : الترغيب في خَصلتين ممدوحتين وخصوصًا عند الصوفية : الأولى : التأني في الأمور والرزانة والطمأنينة ، وعدم العجلة والخفة والطيش . وفي الحديث : " من تَأنَّى أصابَ أو كادَ ، ومَن استعجَّلَ أخطَأ أو كَادَ " ولا يُقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه ، ويفهم عن الله أنه مراد الله في ذلك الوقت . والثانية : حُسْن الظن بعباد الله كافة ، واعتقاد الخير فيهم ، وعدم البحث عما اشتمل عليه بواطنهم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : " أُمِرتُ أن أحكم بالظواهر والله يتولى السرائر " وقال لأسامة : " هلاّ شققت عن قلبه " ، حين قَتَلَ من قال : لا إله إلا الله ، أو لغيره . وفي الحديث : " خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير : حُسن الظن بالله ، وحُسن الظنِّ بعباد الله ، وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء : سوء الظن بالله ، وسوء الظن بعباد الله " والله تعالى أعلم .