Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 30-33)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وقال الذي آمن } مخاطباً قومه : { يا قوم إِني أخافُ عليكم } في تكذيب موسى ، والتعرُّض له بسوء ، { مثلَ يومِ الأحزاب } أي : مثل أيام الأمم الماضية المتحزبة على رسلها ، يعني وقائعهم . وجمْعُ الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم ، أي : بالإضافة ، وفسره بقوله : { مثلَ دأبِ قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ والذين من بعدهم } كقوم لوط وشعيب ، لم يُلْبَسْ أنّ كلّ حزب منهم كان له يوم دَمَار ، فاقتصر على الواحد من الجمع . ودأب هؤلاء : دؤوبهم في عملهم من الكفر ، والتكذيب ، وسائر المعاصي ، حتى دمَّرهم الله . ولا بد من حذف مضاف ، أي : مثل جزاء دأبهم وهو الهلاك . و مثل الثاني : عطف بيان لمثل الأولى . { وما الله يريد ظلماً للعباد } فلا يُعاقبهم بغير ذنب ، أو : يزيد على ما يستحقونه من العذاب ، يعني أن تدميرهم كان عدلاً لأنهم استحقوه بأعمالهم ، وهو أبلغ من قوله : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] حيث جعل المنفي إرادة الظلم مُنْكَراً ، وإذا بعُد عن إرادة ظُلم مَا لعباده كان عن الظلم مُنْكَراً ، وإذا بعُد عن إرادة ظُلمٍ مَا لعباده كان عن الظلم أبعد وأبعد . وتفسير المعتزلة : بأنه لا يريدُ لهم أن يظلموا ، بعيد لأن أهل اللغة قالوا : إذا قال الرجل لآخر : لا أريد ظلماً لك ، معناه : لا أريد أن أظلمك ، وهذا تخويفٌ بعذاب الدنيا . ثم خوَّفهم من عذاب الآخرة بقوله : { ويا قومِ إِني أخاف عليكم يوم التَّنَادِ } أي : يوم القيامة لأنه ينادي فيه بعضُهم بعضاً للاستغاثة ، ويتصايحون بالويل والثبور ، وينادي أصحابُ النار أصحابَ الجنة ، وأصحابُ الأعراف رجالاً يعرفونهم ، وعن الضحاك : إذا سمعوا زفير النار نَدُّوا هرباً ، فلا يأتون قُطراً من الأقطار ، إلا وجدوا ملائكة صفوفاً ، فيرجعون إلى مكانهم ، فبينما هم يموج بعضهم في بعض ، إذ سمعوا منادياً : أقبلوا إلى الحسابِ . أو : ينادي مناد عند الميزان : ألا إن فلاناً بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، ألاَ إِن فلان بن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً . قال ابن عطية : المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة ، وذلك كثير . هـ . ثم أبدل من يوم التناد : قوله : { يوم تُولُّون مدْبرين } أي : منصرفين عن القوم إلى النار ، أو : فارِّين منها غير معاجزين ، { ما لكم من الله من عاصم } يعصمكم من عذابه ، ولمَّا أيس من قبولهم قال : { ومَن يُضلل الله فما له من هادٍ } يهديه إلى طريق النجاة . الإشارة : ينبغي للواعظ والمُذكِّر إذا ذكَّر العصاة أن يُخوفهم بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، كما فعل مؤمن آل فرعون ، أما عذاب الدنيا فما يلحق العاصي من الذُل والهوان عند الله ، وعند عباده ، وما يلحقه إن طال عمره من المسخ وأرذل العمر ، فإِنَّ المعاصي في زمن الشباب تجر الوبال إلى زمن الهرم ، كما أن الطاعة في حال الشباب تجر الحفظ والرعاية إلى حال الكِبَر ، وأما عذاب الآخرة فمعلوم ، ثم يحضّ على التوبة والإقلاع ، فإنَّ التائب الناصح مُلحَق بالطائع ، فلا يلحقه شيء من ذلك . وبالله التوفيق . ثم وبَّخهم بما تعوّدوا من تكذيب الرسل ، فقال : { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ } .