Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 28-29)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { وقال رجلٌ مؤمن } ، قيل : كان قبطياً ، ابن عَم لفرعون ، آمن بموسى سرّاً ، وقيل : كان إسرائيليّاً موحّداً ، وهو المراد بقوله : { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } [ يس : 20 ] ، قال ابن عباس : اسمه حزقيل . وقال ابن إسحاق : جَبرل ، وقيل : سمعان . وقيل : حبيب . و { مِن آلِ فرعونَ } : صفة ثانية لرجل ، أو : صلة ليكتم ، أي : { يكتم إيمانه } من فرعون وملائه : { أتقتلون رجلاً } أي : أتقصدون قلته كراهةَ { أن يقولَ ربي الله } وحده ، من غير روية ولا تأمُّل في أمره ؟ وهذا إنكار منه عليهم ، كأنه قال : أترتكبون هذه الفعلة الشنعاء وهي قتل نفس محرمة من غير حجة ، غير قوله الحق ، وإقراره بالتوحيد ؟ { وقد جاءكم بالبيناتِ } أي : والحال أنه جاءكم بالمعجزات الظاهرة ، التي شاهدتموها وعاهدتموها من ربكم ، يعني أنه لم يكتفِ ببينة واحدة ، بل جاء ببينات كثيرة { من } عند { ربكم } ، أضافه إليهم ، استنزالاً لهم عن رتبة المكابرة ، واستدراجاً للاعتراف . ثم أخذهم بالاحتجاج فقال : { وإِن يَكُ كاذباً فعليه كذبهُ } ، لا يتخطى وبال كذبه إلى غيره ، فيحتاج في دفعه إلى قتله ، { وإِن يك صادقاً يُصبكم بعضُ الذي يَعِدُكُم } من العذاب ، احتج عليهم بطريق التقسيم لأنه لا يخلو ، إما أن يكون كاذباً أو صادقاً ، فإن كان كاذباً فوبال كذبه عليه ، وإن كان صادقاً يُصبكم قطعاً بعضُ ما يعدكم من العذاب ، ولم يقل : كل الذي يعدكم ، مع أنه وعد من نبيٍّ صادق ، مداراة لهم وسلوكاً لطريق الإنصاف ، فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم له ، فكأنه قال : إن لم يصبكم الجميعُ يصبكم البعض ، وليس فيه نفي لإصابة الكل ، فكأنه قال : أقلّ ما فيه أن يصيبكم بعض ما يعدكم ، وهو العذاب العاجل ، وفي ذلك هلاككم ، وكان وعَدَهم عذاب الدنيا والآخرة . وتفسير البضع بالكلّ مزيّف . { إِن الله لا يهدي مَن هو مُسْرِفٌ كذّاب } ، هذا احتجاج آخر ذو وجهين : أحدهما : أنه لو كان مُسرفاً كذاباً لَمَا هداه الله إلى النبوة ، ولما عضده بتلك البينات ، وثانيهما : إن كان كذلك خذله الله وأهلكه ، فلا حاجة إلى قتله . وقيل : أوهم أنه يريد بالمُسرف موسى ، وهو يعني به فرعون ، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى اعتراضاً بين أجزاء وعظه ، إخباراً بما سبق لهم من الشقاء ، فلا ينفع فيهم الوعظ . ثم قال : { يا قوم لكم الملكُ اليومَ } حال كونكم { ظاهرين } غالبين عالين على بني إسرائيل { في الأرض } أرض مصر ، لا يقاومكم أحد في هذا الوقت ، { فمَن ينصُرنا من بأس الله إِن جاءنا } يعني : إن لكم اليوم مُلك مصر ، وقد علوتم الناس ، وقهرتموهم ، فلا تُسرفوا على أنفسكم ، ولا تتعرّضوا لبأس الله ، أي : عذابه فإنه لا طاقة لكم به إن جاءكم ، ولا يمنعكم منه أحد . وإنما نسب ما يُسرهم من المُلك والظهور في الأرض إليهم خاصة ، ونظم نفسه فيما يسوؤهم ، من مجيء بأس الله تعالى ، إمحاضاً للنصح ، وإيذاناً بأن الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه . { قال فرعونُ } بعدما سمع نصحه لقومه : { ما أُرِيكُم } أي : ما أُشير عليكم { إِلا ما أرى } وأستصوبه من قتل موسى ، يعني : لا أستصوب إلا قتله ، وهذا الذي تقولونه غير صواب ، { وما أَهديكم } بهذا الرأي { إِلا سبيل الرشاد } أي : الصواب ، ولا أعلنكم إلا ما أعلم ، ولا أُسِرُّ عنكم شيئاً خلاف ما أُظهِر ، يعني : أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول ، وقد كذب اللعين ، فقد كان مضمراً للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام ، ولكنه كان يتجلَّد ، ولولا استشعاره للخوف لم يستشر أحداً في قتله ، وقد كان سفَّاكاً جبّاراً ، فما منعه إلا خوف الهلاك إن مدّ يده إليه ، والله تعالى أعلم . الإشارة : قال القشيري : قد نصح وأبلغ مؤمنٌ آل فرعون ، واحتجَّ عليهم ، فلم ينجعْ فيهم قوله ، وأعاد عليهم نصحه فلم يسمعوا ، وكان كما قيل : @ وَكَمْ سُقْتُ في آثارِكُم مِن نَصيحةٍ وَقَدْ يَستفيدُ البغْضَةَ الْمُسْتَنْصِحُ @@ ثم قال : { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ } .