Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 36-37)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { وقال فرعونُ } تمويهاً على قومه ، وجهلاً منه : { يا هامانِ } وزيره { ابنِ لي صَرْحاً } أي : قصراً عالياً ، وقيل : الصرح : البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بَعُد منه . يقال : صَرِح الشيءُ : إذا ظهر . { لعلِّي أبلُغُ الأسبابَ } أي : الطرق . ثم أبدل منها تفخيماً لشأنها ، وإظهاراً أنه يقصد أمراً عظيماً : { أسبابَ السماوات } أي : طرُقها وأبوابها ، وما يُؤدّي إليها ، وكل ما أدّاك إلى الشيء فهو سبب إليه ، { فأَطَّلِعَ إِلى إِله موسى } أي : فأنظر إليه وأتحقق وجوده ، قرأه حفص بالنصب ، جواب التمني ، والباقي بالرفع ، عطفاً على " أبلغ " . قال البيضاوي : ولعله أراد أن يبني له صرحاً في موضع عال ، يرصد منه أحوال الكواكب ، التي هي أسباب سماوية ، تدلّ على الحوادث الأرضية ، فيرى هل فيها ما يدلّ على إرسال الله تعالى إياه ، أو أن يرى فساد قوله عليه السلام فإنّ إخباره عن إله السماء يتوقف على اطلاعه ووصوله إليه ، وذلك لا يتأتى إلا بالصعود للسماء ، وهو مما لا يقوى عليه الإنسان ، وما ذلك إلا لجهله بالله وكيفية استنبائه . هـ . قلت : والظاهر أنه كان مجسّماً ، يعتقد أن الله في السماء ، وأن اطلاعه إليه إنما كان ليرى هل ثَم إله ، وإن قوله : { وإِني لأظنه كاذباً } أي : في ادّعاء إله غيري ، بدليل قوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى } [ القصص : 38 ] مع أنَّ هذا كله إنما هو تمويه منه على قومه ، وجرأة على الله ، لا حقيقة له . قال تعالى : { وكذلك } أي : ومثل ذلك التزيين المفرط ، والصدّ البليغ ، { زُيِّنَ لفرعونَ سوءُ علمه } فانهمك فيه انهماكاً لا يرعوي عنه بحال ، { وصدَّ عن السبيل } أي : سبيل الرشاد ، وقرأ الكوفون ويعقوب " وصُدّ " بالبناء للمفعول ، فالفاعل في الحقيقة فيهما هو الله ، بتوسط الشيطان في عالم الحكمة ، ومَن قرأ " صَدّ " بالبناء للفاعل ، فالفاعل : فرعون ، إما صدّ الناس عن طريق الحق بأمثال هذه التمويهات ، أو : اتصف بالصدّ . { وما كيدُ فرعون إِلا في تَبابٍ } أي : خسران وهلاك . الإشارة : ما ظهر على فرعون هو من طغيان النفس وعتوها ، فإنَّ النفس إذا اتصلت بها العوافي ، وساعدتها أقدار الجمال في الظاهر ، ادَّعت الربوبية ، فإنَّ فرعون قيل : إنه عاش أربعمائة سنة ، لم يتوجع فيها قط ، فادّعى الربوبية ، ولذا قال بعض الصوفية : في النفس خاصية ما ظهرت إلا على فرعون ، حين قال : أنا ربكم الأعلى ، فكان نزول الأقدار القهرية والبلايا على العبد ، رحمة عظيمة ، تتحقق بها العبودية ، التي هي شرف العبد ورفعته . وبالله التوفيق . ثم ذكر بقية وعظ المؤمن ، فقال : { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ } .