Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { تنزيل } : خبر عن مضمر ، أي : هذا تنزيل . و { كتاب } . بدل من { تنزيل } ، أو : خبر بعد خبر ، و { تنزيل } : مبتدأ . و { من الرحمن } : صفة ، و { كتاب } . خبره ، و { قرآناً } : منصوب على الاختصاص والمدح ، أو : حال ، أي : فُصِّلت آياته في حال كونه قرآناً . و { لقوم } : متعلق بفُصِّلت ، أو : صفة ، مثل ما قبله وما بعده ، أي : قرآناً عربياً كائناً لقوم يعلمون . و { بشيراً ونذيراً } : صفتان لـ " قرآناً " . يقول الحق جلّ جلاله : { حم } يا محمد هذا { تنزيلٌ } ، قاله القشيري : أي : بحقي وحياتي ومجدي في ذاتي وصفاتي ، هذا تنزيلٌ { من الرحمن الرحيم } . ونسبة التنزيل إلى الرحمن الرحيم للإيذان بأنه نزل للمصالح الدينية والدنيوية ، واقع بمقتضى الرحمة الربانية ، حسبما ينبىء عنه قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] ، { كتاب فُصّلت آياتُه } مُيزت وجُعلت تفاصيل في أساليب مختلفة ، ومعانٍ متغايرة من أحكام ، وتوحيد ، وقصص ، ومواعظ ، ووعد ، ووعيد وغير ذلك ، { قرآناً عربياً } أي : أعني قرآناً بلسان العرب كائناً { لقوم يعلمون } معانيه ، ويتدبّرون في آياته لكونه على لسانهم ، أو : لأهل العلم والنظر لأنهم المنتفعون به . { بشيراً ونذيراً } بشيراً لأهل الطاعة ، ونذيراً لأهل المعصية ، { فأعْرَض أكثرُهم } عن الإيمان به والتدبُّر في معانيه مع كونه على لغتهم ، { فهم لا يسمعون } سماع تفكُّر وتأمُّل ، حتى يفهموا جلالة قدره فيؤمنوا به . { وقالوا } للرسول عليه الصلاة والسلام عند دعوته إياهم إلى الإيمان والعمل بما في القرآن : { قلوبنا في أَكِنَّةٍ } أي : أغطية متكاثفة ، { وفي آذاننا وَقْر } صمم وثِقَل يمنعنا من استماع قولك ، { ومن بيننا وبينك حجاب } غليظ ، وستر مانع يمنعنا من التواصل إليك . و من للدلالة على أن الحجاب مبتدى منهم ومنه بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة ، ولم يبق ثمَّ فراغ أصلاً . وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله ، ومج أسماعهم له ، كأنَّ بها صمماً وثِقلاً منعهم من موافقتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالوا : { فاعمل } على دينك وإبطال ديننا ، { إِننا عاملون } على ديننا ، لا نفارقه أبداً . { قُلْ إِنما أنا بشر مثلُكم يُوحَى إِليَّ أَنَّما إِلهكُم إِله واحد } ، هذا تلقين للجواب عنه ، أي : لستُ من جنسٍ مباينٍ لكم حتى يكون بيني وبينكم حجاب ، وتباين مصحح لتباين الأعمال والأديان ، كما ينبىء عنه قوله : { فاعلم إننا عاملون } ، بل إنما أنا بشر مثلكم ، مأمور بما أُمرتم به من التوحيد ، حيث أخبرنا جميعاً بأن إلهنا واحد ، فالخطاب في " إلهكم " محكي منتظم للكل ، لا أنه خطاب منه عليه الصلاة والسلام للكفرة . وقيل : لمّا دعاهم إلى الإيمان ، قالوا : إنا نراك مثلنا ، تأكل وتشرب ، فلو كنتَ رسولاً لاستغنيت عن ذلك ، فأنزل : { قل إنما أنا بشر . … } الآية . { فاستقيموا إِليه } بالتوحيد وإخلاص العبادة ، غير ذاهبين يميناً وشمالاً ، ولا ملتفتين إلى ما يُسوّل لكم الشيطانُ من عبادة الأصنام … قال تعالى : { واستغفروه } مما كنتم عليه من سوء العقيدة . والفاء لترتيب ما قبلها من إيحاء التوحيد على ما بعدها من الاستقامة ، { وويل للمشركين } ، وهو ترهيب وتنفير لهم عن الشرك إثر ترغيبهم في التوحيد . ووصفهم بقوله : { الذين لا يؤتون الزكاة } أي : لا يؤمنون بوجوب الزكاة ولا يُعطونها ، وهو إخبار بما سيقع ، إذ لم تكن الزكاة حينئذ مفروضة ، أو : لا يفعلون ما يكونون به أزكياء ، وهو الإيمان . وفيه تحذير من منع الزكاة ، حيث جعله من أوصاف المشركين . { وهم بالآخرة هم كافرون } أي : وهم بالبعث والثواب والعقاب كافرون . والجملة : عطف على يؤتون داخل في الصلة . وإنما جعل منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله ، وهو شقيق روحه ، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على استقامته ، وصدق نيته ، وخلوص طويته ، وما ارتدت العرب إلا بمنعها . { إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غيرُ ممنونٍ } غير مقطوع ، من : مننت الحبل : قطعته ، أو : غير ممنون به عليهم . وقيل : نزلت في المرضى والهَرْمَى ، إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون . الإشارة : كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به ، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن ، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره ، وحضور القلب عند تلاوته ، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم ، { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه … } إلى تمام الآية . فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى ، ألسنتهم تتلو وقلوبهم تجول في أودية الدينا ، فلا حضور ولا تدبُّر ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فإذا طلَبوا من المشايخ الذين هم أطبّة القلوب الكرامة ، يقولون ما قالت الرسل : إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق ، وانفراده بالوجود ، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم ، واستغفروه من سالف زلاتكم ، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى ، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم ، وهم بالآخرة حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب هم الكافرون . إن الذين آمنوا إيمان الخصوص ، بصحبة الخصوص ، لهم أجر غير ممنون ، وهو شهود الحق على الدوام . والله تعالى أعلم . ثم وبّخهم على الكفر بعد بيان بطلانه ، فقال : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ } .