Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 49-51)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { لا يسأمُ الإِنسانُ } أي : جنسه ، أو : الكافر ، بدليل قوله : { وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً } [ الكهف : 36 ] ، أي : لا يملّ { من دعاءِ الخيرِ } من طلب السعة في المال والنعمة ، ولا يملّ عن إرادة النفع والسلامة ، والتقدير : من دعائه الخير ، فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول ، { وإِن مسَّه الشرُّ } الفقر والضيق ، { فَيَؤُوسٌ } من الخير { قنوطٌ } من الرحمة ، أي : لا يرجو زواله لعدم علمه بربه ، وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إلى ربه ، بُولغ فيه من طريقين : من طريق بناء فَعول ، ومن طريق التكرير لأن اليأس هو القنط ، والقنوط : أن يظهر أثر اليأس فيتضاءل وينكسر ، ويظهرَ الجزع ، وهذا صفة الكافر لقوله : { إِنَّه لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] . وقال الإمام الفخر : اليأس على أمر الدنيا من صفة القلب ، والقنوط : إظهار آثاره على الظاهر . هـ . { ولئن أذقناه رحمةً من بعد ضراء مَسَّتْهُ ليقولَنَّ هذا لِي } أي : وإذا فرجنا عنه بصحّة بعد مرض ، أو : سعة بعد ضيق ، قال : { هذا لي } أي : هذا قد وصل إليّ لأني استوجبته بما عندي من خير ، وفضل ، وأعمال برّ ، أو : هذا لي لا يزول عني أبداً ، { وما أظنُّ الساعةَ قائمةً } أي : ما أظنها تقوم فيما سيأتي ، { ولئن رُّجِعْتُ إِلى ربي } كما يقول المسلمون ، { إِنَّ لي عنده لَلْحُسْنَى } أي : الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة ، أو : الجنة . قاس أمر الآخرة على أمر الدينا لأن ما أصابه من نِعَمِ الدنيا ، زعم أنه لاستحقاقه إياها ، وأن نِعَم الآخرة كذلك . وهذا غرور وحمق ، الرجاء ما قارنه عمل ، وإلا فهو أُمنية ، " الجاهل مَن أَتْبَعَ نَفْسه هواها ، وتمنّى على الله ، والكيِّسُ مَن دَانَ نفسه ، وعَمِلَ لما بعد الموتِ " . { فلننبئَنَّ الذين كفروا بما عَمِلُوا } أي : فلنخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب ، { ولَنُذِيقَنَّهم من عذابٍ غليظٍ } شديد ، لا يفتر عنهم . { وإِذا أنعمنا على الإِنسان أعْرَضَ } ، هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمته ، أبطرته النعمة ، وأعجب بنفسه ، فنسي المنعِّم ، وأعرض عن شكره ، { ونأى بجانبهِ } وتباعد عن ذكر الله ودعائه وطاعته ، أو : ذهب بنفسه وتكبّر وتعاظم ، والتحقيق : أن المراد بالجانب النفس ، فكأنه قال : وتباعد بنفسه عن شكر ربه ، { وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ } الفقر والضر ، { فذو دعاءٍ عريضٍ } أي : تضرُّع كثير ، أي : أقبل على دوام الدعاء والابتهال . ولا منافاة بين قوله : { فَيؤوس قنوط } وبين قوله : { فذو دعاء عريض } لأن الأول في قوم ، والثاني في قوم ، أو : قَنوط في البَر ، وذو دعاء عريض في البحر ، أو : قَنُوط بالقلب ، وذو دعاء باللسان ، أو : قَنُوط من الصنم ، وذو دعاء لله تعالى . الإشارة : اللائق بالأدب أن يكون العبد عند الشدة داعياً بلسانه ، راضياً بقلبه ، إن أجابه شكر ، وإن منعه انتظر وصبر ، ولا ييأس ولا يقنط ، فإنه ضَمِنَ الإجابة فيما يريد ، لا فيما تريد ، وفي الوقت الذي يريد ، لا في الوقت الذي تريد ، وإن فرّج عنك نسبتَ النعمةَ إليه ، دون شيء من الوسائط العادية ، هذا ما يُفهم من الآية ، وتقدّم الكلام عليها في سورة هود . وبالله التوفيق . ثم وبَّخ مَن أعرض عن النظر ، فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } .