Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 52-54)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { قل أرأيتم } أخبروني { إِن كان } القرآن { من عندِ اللهِ ثم كفرتُمْ به } جحدتم أنه من عند الله ، مع تعاضد موجبات الإيمان به ، { مَنْ أَضلُّ } منكم ؟ فوضع قوله : { ممن هو في شقاق بعيد } موضعه ، شرحاً لحالهم ، وتعليلاً لمزيد ضلالهم . { سَنُريهِمْ آياتنا } الادلة على حقيَّتِه وكونه من عند الله ، { في الآفاق } من فتح البلاد ، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادث الآتية ، وآثار النوازل الماضية ، وما يسَّر الله تعالى له ولخلفائه من الفتوحات ، والظهور على آفاق الدنيا ، والاستيلاء على بلاد المشارق والمغارب ، على وجه خرق العادة ، { و } نريهم { في أنفسهم } ما ظهر من فتح مكة وما حلّ بهم . وقال ابن عباس : في الآفاق : منازل الأمم الخالية وآثارهم ، وفي أنفسهم : يوم بدر . وقال مجاهد وغيره : في الآفاق : ما يفتح الله من القرى على نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وفي أنفسهم : فتح مكة . وقيل : الآفاق : في أقطار السموات والأرض ، من الشمس ، والقمر ، والنجوم ، وما يترتب عليها من الليل ، والنهار ، والأضواء ، والظلال ، والظلمات ، ومن النبات ، والأشجار ، والأنهار ، { وفي أنفسهم } : من لطيف الصنعة وبديع الحكمة ، من تكوين النطفة في ظلمات الأرحام ، وحدوث الأعضاء العجيبة ، والتركيبات الغريبة ، كقوله تعالى : { وَفِى أَنفُسِكُمْ … } [ الذاريات : 21 ] . وعبّر بالسين مع أن إراءة تلك الآيات قد حصلت قبل ذلك ، بمعنى أن الله تعالى سيُطلعهم على تلك الآيات زماناً فزماناً ، ويَزيدهم وقوفاً على حقائقها يوماً فيوماً ، { حتى يتبين لهم } بذلك { أنه الحقُّ } أي : القرآن ، أو : الإسلام ، أو : التوحيد ، { أوَلَمْ يكف بربك أنه على كل شيءٍ شهيدٌ } ، توبيخ على تردُّدهم في شأن القرآن ، وعنادهم المحوج إلى إراءة الآيات ، وعدم اكتفائهم بإخباره تعالى . والهمزة للإنكار ، والواو للعطف على مقدّر يقتضيه المقام ، أي : أَلَمْ يُغن ولم يكف ربك . والباء : مزيدة للتأكيد ، ولا تكاد تزاد إلا مع " كفى " . و أنه … الخ : بدل منه ، أي : ألم يُغنهم عن إراءة الآيات المبنية لحقيّة القرآن ولم يكفهم في ذلك أنه تعالى شهيد على كل شيء ، وقد أخبر أنه من عنده . وقيل : معناه : إن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتيقنون عند ذلك أن القرآن تنزيل من عالم الغيب الذي هو على كل شيء شهيدٌ . { أَلا إِنهم في مِريةٍ } شك عظيم { من لقاءِ ربهم } فلذلك أنكروا القرآن ، { ألا إِنه بكل شيءٍ محيط } عالم بجميع الأشياء وتفاصيلها ، وظواهرها ، وبواطنها ، فلا يخفى عليه خافية منهم ، وهو مجازيهم على كفرهم وشكهم ، لا محالة . الإشارة : قد اشتملت الآية على مقام الاستدلال في مقام الإيمان ، وعلى مقام العيان في مقام الإحسان ، أي : سنُريهم آياتنا الدالة على وجودنا في الآفاق ، وفي أنفسهم ، أي : في العوالم المنفصلة والمتصلة ، حتى يتبين لهم أنه الحق ، أي : وجوده حق ، لأن الصنعة قطعاً تحتاج إلى صانع ، ثم رقَّاهم إلى مقام المراقبة بقوله : { أوَلم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } ، ثم زاد إلى المشاهدة بقوله : { ألا إِنهم } أي : أهل الجهل بالله ، { في مرية من لقاء ربهم } في الدنيا ، بحصول الفناء ، فيفنى وجود العبد في وجود الحق ، ألا إنه بكل شيء محيط ، فبحر العظمة أحاط بكل شيء ، وأفنى كل شيء ، ولم يبقَ مع وجوده شيء . وفي الحِكَم : " ما حجبك عن الله وجود موجود معه إذ لا شيء معه ، وإنما حجبك توهُّم موجود معه " وقال أيضاً : " الأكوان ثابتة بإثباته ، ممحوة بأحدية ذاته ، فأحدية الذات محت وجودَ الأشياء كلها ، ولم يبقَ إلا القديم الأزلي . وقال القطب ابن مشيش لأبي الحسن رضي الله عنه : يا أبا الحسن ، حدّد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء ، وعند كل شيء ، ومع كل شيء ، وقبل كل شيء ، وبعد كل شيء ، وفوق كل شيء ، وتحت كل شيء ، وقريباً من كل شيء ، ومحيطاً بكل شيء ، بقُرب هو وصفه ، وبحيطة هي نعته ، وعَد عن الظرفية والحدود ، وعن الأماكن والجهات ، وعن الصحبة والقرب في المسافات ، وعن الدور بالمخلوقات ، وأمحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو هو هو ، كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه كان . هـ . وقوله : وعد عن الحجهات ، جاوز عن اعتقادها إذ لا ظرف ، ولا حد ، ولا مكان ، ولا جهة ، إذ الكل عظمة ذاته ، وأنوار صفاته ، والحد إنما يتصور في المحدود ، ولا حد لعظمة ذاته ولا نهاية ، ولا يحصرها مكان ، ولا جهة إذ الكل منه وإليه . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق ، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد ، عين بحر التحقيق ، وعلى آله وصحبه ، وسلّم تسليماً .