Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { حم . عسق } يُشير والله أعلم بكل حرف إلى وصف يدلّ على تعظيم قدر حبيبه صلى الله عليه وسلم ، فالحاء : أحبَبْنَاك ، أو : حبيْناك ، أي : أَعطيناك الملك والملكوت ، والميم : ملَّكناك ، والعين : عَلَّمناك ما لم تكن تعلم ، أو : عيّناك للرسالة ، والسين : سيّدناك ، والقاف : قرّبناك . { كذلك يُوحِي إِليك } أي : كما خصصناك بهذه الخصائص العظام أوحينا إليك { وإِلى الذين مِن قبلك } ، فقد خصصناهم ببعض ذلك ، وأوحينا إليهم ، وفي ابن عطية : عن ابن عباس : أن هذه الحروف بأعيانها نزلت في كل كتب الله ، المنزلة على كل نبيّ أُنزل عليه كتاب ، ولذلك قال تعالى : { كذلك يُوحي إليك وإلى الذين من قبلك } . وقال القشيري : الحاء : مفتاح اسمه حكيم وحفيظ ، والميم : مفتاح اسمه مالك وماجد ومؤمن ومهيمن ، والعين : مفتاح اسمه عليم وعليّ ، والسين : مفتاح اسمه سيد وسميع وسريع الحساب ، والقاف : مفتاح اسمه قادر وقاهر وقريب وقدوس ، أقسم الله تعالى بهذه الحروف أنه كذلك يُوحي إليك يا محمد . هـ . وقال ابن عطية : وإنما فصلت " حم عسق " ، ولم يفعل ذلك بـ " كهيعص " لتجري هذه مجرى الحواميم أخواتها . هـ . زاد النسفي : وأيضاً : هذه آيتان ، و " كهيعص " آية واحدة . هـ . فانظره . { اللهُ } أي : يوحي الله { العزيزُ الحكيمُ } : فاعل " يُوحي " ، وقرأ ابن كثير بالبناء للمفعول . و " الله " : فاعل بمحذوف ، كأن قائلاً قال : مَن المُوحِي ؟ فقال : { الله العزيز الحكيم } أي : الغالب بقهره ، الحكيم في صنعه وتدبيره . { له ما في السماوات وما في الأرض } مُلكاً وملِكاً ، { وهو العليُّ } شأنه { العظيمُ } سلطانه وبرهانه . ثم بيّن عظمته ، فقال : { يكادُ السماواتُ يتفطَّرْنَ من فوقهن } تتشققن من عظمة الله تعالى وعلو شأنه ، يدلّ عليه مجيئه بعد قوله : { وهو العلي العظيم } . وقيلَ : من دعائهم له ولداً ، كقوله : { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ } [ مريم : 90 ] إلخ ، ويؤيده : مجيء قوله : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [ الشورى : 6 ] . وقرأ البصريّ وشبعة : " ينفطرن " ، والأول أبلغ . ومعنى : { من فوقهن } أي : يبتدين بالانفطار من جهتهنّ الفوقانية . وتخصيصها على التفسير الأول لأن أعظم الآيات وأدلها على العظمة والجلال من تلك الجهة ، وأيضاً : استقرار الملائكة إنما هو من فوق ، فكادت تنشق من كثرة الثِقل ، كما في الحديث : " أطَّت السماء ، وحُقّ لها أن تَئطَّ ، ما فيها موضع قدم إلا وفيها ملك راكع أو ساجد " . وعلى الثاني للدلالة على التفطُّر من تحتهن بالطريق الأولى لأن تلك الكلمة الشنعاء ، الواقعة في الأرض حين أثرت في جهة الفوق فلأن تؤثر في جهة التحت أولى . وقيل : " من فوقهن " : من فوق الأرض ، فالكناية راجعة إلى الأرض ، من قوله : { له ما في السماوات وما في الأرض } لأنه بمعنى الأرضين . { والملائكةُ يُسبِّحون بحمدِ ربهم } خضوعاً لِمَا يرون من عظمته ، { ويستغفرون لمَن في الأرض } أي : للمؤمنين منهم ، خوفاً عليهم من سطواته ، ويُوحدون اللهَ وينزهونه عما لا يليق به من الصفات ، حامدين له على ما أولاهم من ألطافه ، متعجبين لما رأوا من تعرُّض الكفرة لسخط الله تعالى . ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض ، الذين تبرؤوا من تلك الكلمات ، { ألا إِنَّ اللهَ هو الغفورُ الرحيمُ } حيث لا يعاجلهم بالعقوبة على ما وصفوه به مما لا يجوز عليه . الإشارة : حم عسق ، الحاء تُشير إلى حمده لأوليائه ، وتنويهه بقدرهم ، والميم إلى تمليكهم التصرُّف في حس المُلك ، وأسرار الملكوت ، والعين إلى علو رتبتهم ، أو إلى علومهم اللدنية ، والسين إلى سيادتهم وسَنَا نورهم وسرهم ، والقاف إلى قُربهم وتقريبهم حتى يمتحق وجودهم في وجود محبوبهم ، فيمتحي القرب من شدة القرب ، وبذلك صاروا مقربين . والوحي ينقسم إلى أربعة أقسام وحي أحكام ، ووحي منام ، ووحي إلهام ، ووحي إعلام ، فاختصت الأنبياء بالأول ، وشاركتهم الأولياء في الثلاثة . ووحي إعلام هو إطّلاعهم على بعض المغيبات . وقوله تعالى : { يكاد السماوات يَتَفَطَّرن } أي : يتشققن من هيبته تعالى وكبريائه . وذلك لما لطُف حسها أدركت هيبة معاني أسرار الذات ، وكذلك الأرواح إذا لطفت ورقّ حسن بشريتها أدركت عظمة الحق وجلاله وجماله ، وإذا كثفت بشريتها ، بمباشرة الحس واتباع الهوى ، غلظ حجابها ، فبعدت عن حضرة الحق في حال قربها . وقوله تعالى : { ويستغفرون لمَن في الأرض } ، انظر جلالة قدر هذا الآدمي ، حتى سخَّر الله له الملائكة الكرام يستغفرون له ، ويسعون في مصالحه ، فاستحِي من الله أيها العبد ، إن كان لك عقل وتمييز . ثم ردّ على أهل الشرك ، فقال : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } .