Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 6-9)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { وكذلك } : الكاف في محل النصب على المصدر ، و { قرآناً } : مفعول " أوحينا " . يقول الحق جلّ جلاله : { والذين اتخذوا من دونه أولياء } شركاء ، يُوالونهم بالعبادة والمحبة { اللهُ حفيظ عليهم } : رقيب على أحوالهم وأعمالهم ، فيجازيهم بها ، { وما أنت عليهم بوكيلٍ } بموكّل عليهم ، تجبرهم على الإيمان ، ثم نسخ بالجهاد . أو : ما أنت بموكول إليك أمرهم ، وإنما وظيفتك الإنذار بما أوحينا إليك . { وكذلك أوحينا إِليك قرآناً عربيّاً } أي : ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح أوحينا إليك قرآناً عربيّاً ، لا لبس فيه عليك ولا على قومك ، { لِتُنذِر أُمَّ الْقُرَى } أي : أهلها ، وهي مكة لأن الأرض دحيت من تحتها ، أو : لأنها أشرف البقع ، { و } تُنذر { مَنْ حولها } من العرب أو من سائر البلاد . قال القشيري : وجميعُ العالَم مُحْدِقٌ بالكعبة لأنها سُرَّةُ الأرضِ . هـ . { وتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ } يوم القيامة لأنه تجمع فيه الخلائق ، وفيه تجمع الأرواح والأشباح . وحذف المفعول الثاني من " تُنذر " الأول للتهويل ، أي : لتنذر الناس أمراً فظيعاً تضيق عنه العبارة ، { لا ريبَ فيه } لا شك في وقوع ذلك اليوم ، { فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير } أي : بعد جمعهم في الموقف يفترقون ، فريق يُصرف إلى الجنة ، وفريق إلى السعير بعد الحساب ، والتقدير : فريق منهم في الجنة . والجملة : حال ، أي : وتنذر يوم الجمع متفرقين . { ولو شاء اللهُ لجعلهم } في الدنيا { أمة واحدة } إما مهتدين كلّهم ، أو ضالين ، { ولكن يُدْخِلُ مَن يشاء في رحمته } أي : ويُدخل مَن يشاء في عذابه ، يدلّ عليه ما بعده ، ومن ضرورة اختلاف الرحمة والعذاب : اختلاف الداخلين فيهما ، فلم يشأ جعل الكل أمة واحدة ، بل جعلهم فريقين ، فيسَّر كلاًّ لمَن خُلق له . { والظالمون ما لهم من وَليٍّ ولا نصير } والكافرون ما لهم من شافع ولا دافع . قال أبو السعود : والذي يقتضيه سياق النظم أن يُراد بقوله : { أمة واحدة } الاتحاد في الكفر ، كما في قوله تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً … } [ البقرة : 213 ] الآية ، على أحد الوجهين ، بأن يُراد بهم الذين هم في فترة إدريس ، أو فترة نوح . ولو شاء لجعلهم أمة واحدة متفقة على الكفر ، بأن لا يُرسل إليهم رسولاً ليُنذرهم ما ذكر من يوم الجمع ، وما فيه من ألوان الأهوال ، فيبقوا على ما هم عليه من الكفر ، ولكن يُدخل مَن يشاء في رحمته إن شاء ذلك ، فيُرسل إلى الكل مَن ينذرهم ، فيتأثر بعضهم بالإنذار فيعرفون الحق فيوفقهم الله تعالى للإيمان والطاعة ، ويُدخلهم في رحمته ، ولا يتأثر به الآخرون ، ويتمادى في غيهم ، وهم الظالمون ، فيبقون في الدنيا على ما هم عليه ، ويصيرون في الآخرة إلى السعير ، من غير وليٍّ يلي أمرهم ، ولا نصيرٍ يُخلصهم من العذاب . هـ . { أَم اتخذوا من دونه أولياءَ } ، هذه جملة مقررة لِما قبلها ، من انتفاء أن يكون للظالمين وَليّ ولا نصير . و " أم " : منقطعة ، وما فيها من الإضراب للانتقال من بيان ما قبلها إلى بيان ما بعدها . والهمزة لإنكار الوقوع ونفيه على أبلغ وجه ، أي : ليس المتخَذون أولياء ، ولا ينبغي اتخاذ وليّ سواه . وقوله : { فالله هو الوليُّ } : جواب عن شرط مقدّر ، كأنه قيل بعد إبطال ما اتخذوه أولياء من الأصنام : إن إرادوا ولياً في الحقيقة فالله هو الوليّ ، لا وليّ سواه . { وهو يُحيي الموتى } أي : ومن شأنه إحياء الأموات ، { وهو على كل شيءٍ قديرٌ } فهو الحقيق بأن يُتخذ ولياً ، فليخصُّوه بالاتخاذ ، دون مَن لا يقدر على شيء . وبالله التوفيق . الإشارة : قال القشيري : كلُّ مَن تبع هواه ، وترك لله حدّاً ، أو نقض له عهداً فهو ممن اتخذ الشيطانَ وليّاً ، فالله يَعلمه ، لا يخفى عليه أمره ، وعلى الله حسابه ، ثم إن شاء عَذَّبه ، وإن شاء غَفَرَ له . هـ . فيقال للواعظ أو الداعي إلى الله : لا تأسَ عليهم إن أدبروا ، الله حفيظ عليهم ، وما أنت عليهم بوكيل . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم داعياً إلى الله ، يُنذر الناس بالقرآن ، فمَن تبعه كان من أهل الجنة ، ومَن خالفه كان من أهل السعير ، وبقي خلفاؤه من بعده ، العلماء بالله ، الذين يُذكِّرون الناس ، ويدلونهم على الله ، فمَن صَحِبَهم وتبعهم كان من أهل الجنة جنة المعارف ، أو الزخارف ، أو هما ، ومَن انحرف عنهم كان من أهل السعير ، نار القطيعة أو الهاوية . قال القشيري : كما أنهم اليومَ فريقان فريق في درجات الطاعات وحلاوة العبادات أو المشاهدات ، وفريق في ظلمات الشِّركِ وعقوبات الجحد ، فكذلك غداً ، فريقٌ هم أهل اللقاء ، وفريق هم أهل الشقاء . { ولو شاء الله } أي : أراد أن يجمعهم كلهم على الرشاد لم يكن مانع . هـ . وقوله تعالى : { فاللهُ هو الوليُّ } تحويش إلى التوجُّه إلى الله ، ورفض كل ما سواه ، كما قال بعضهم : اتخذ الله صاحباً ، ودع الناس جانباً ، فكل مَن والى غيرَ الله تعالى خذله ، ومن حُبه أبعده . ثم أمر بالرجوع إليه عند الاختلاف ، فقال : { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ } .