Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 44-48)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { ومَن يُضْلِل اللهُ فَما له من وليٍّ من بعده } أي : فما له من أحد يلي هدايته من بعد إضلال الله إياه ، ويمنعه من عذابه . { وترى الظالمين } يوم القيامة ، وهم الذين أضلّهم الله ، { لَمَّا رَأَوا العذاب } حين يرون العذاب ، وأتى بصيغة الماضي للدلالة على تحقيق الوقوع ، { يقولون هل إِلى مَرَدٍّ } رجعة إلى الدنيا { من سبيل } حتى نُؤمن ونعمل صالحاً . { وتراهم يُعرضون عليها } على النار ، يدلّ عليها ذكر العذاب . والخطاب لكل مَن يتأتى منه الرؤية { خاشعين من الذل } متذللين متضائلين مما دهاهم ، فالخشوع : خفض البصر وإظهار الذل ، { ينظرون } إلى النار { من طَرْفٍ خَفِيٍّ } ضعيف بمسارقة ، كما ترى المصْبُور ينظر إلى السيف عند إرادة قتله . { وقال الذين آمنوا إِن الخاسرين الذين خسروا أنفسَهم وأهليهم } بالتعرُّض للعذاب الخالد { يومَ القيامة } ، و " يوم " : متعلق بخسروا . وقول المؤمنين واقع في الدنيا . ويقال ، أي : يقولونه يوم القيامة ، إذا رأوهم على تلك الصفة : { ألا إِن الظالمين في عذابٍ مقيم } دائم ، { وما كان لهم من أولياء ينصرونهم } برفع العذاب عنهم { من دون الله } حسبما كانوا يرجون ذلك في الدنيا ، { ومَن يُضلل اللهُ فما له من سبيلٍ } إلى النجاة . { استجيبوا لربكم } إلى ما دعاكم إليه على لسان نبيه ، { من قبل أن يأتيَ يومٌ } أي : يوم القيامة { لا مردَّ له من اللهِ } أي : لا يرده الله بعد ما حكم بمجيئه ، فـ " من " متعلق بـ " لا مرد " ، أو : بـ " يأتي " أي : من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده ، { ما لكم من ملجأ يومئذٍ } أي : مفر تلتجئون إليه ، { وما لكم من نكيرٍ } أي : وليس لكم إنكار لما اقترفتموه لأنه مدوَّن في صحائف أعمالكم ، وتشهد عليكم جوارحكم . { فإِنْ أعرضوا } عن الإيمان { فما أرسلناك عليهم حفيظاً } رقيباً ، تحفظ أعمالهم ، وتحاسبهم ، { إِنْ عليك إِلا البلاغُ } ما عليك إلا تبليغ الرسالة ، وقد بلغت ، وليس المانع لهم من الإيمان عدم التبليغ ، وإنما المانع : الطغيان وبطر النعمة ، كما قال تعالى : { وإِنَّا إِذا أَذقنا الإِنسانَ منا رحمةً } أي : نعمة من الصحة ، والغنى ، والأمن ، { فرح بها } وقابلها بالبطر ، وتوصّل بها إلى المخالفة والعصيان . وأريد بالإنسان الجنس ، لقوله تعالى : { وإِن تُصبهم سيئة } ، بلاء ، من مرض ، وفقر ، وخوف ، { بما قدمتْ أيديهمْ فإِنَّ الإِنسانَ كفورٌ } بليغ الكفر ، ينسى النعمة رأساً ، ويذكر البلية ، ويستعظمها ، بل يزعم أنها أصابته من غير استحقاق . وأفرد الضمير في فرح مراعاة للفظ ، وجمعه في " تُصبهم " مراعاة للمعنى . وإسناد هذه الخصلة إلى الجنس مع كونها من خواص الجنس ، لغلبتها فيهم . وتصدير الشرطية الأُولى بإذا ، مع إسناد الإذاقة إلى نون العظمة للتنبيه على أن إيصال الرحمة محقق الوجود ، كثير الوقوع ، وأنه مراد بالذات ، كما أن تصدير الثانية بأن ، وإسناد الإصابة إلى السيئة ، وتعليلها بأعمالهم للإيذان بندرة وقوعها ، وأنها غير مرادة بالذات ، " إن رحمتي سبقت غضبي " . ووضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم . قاله أبو السعود . الإشارة : من تنكبتْه العناية السابقة ، وأدركته الغواية اللاحقة ، لم ينفع فيه وعظ ولا تذكير ، وليس له من عذاب الله وليّ ولا نصير ، فإذا تحققت الحقائق ، وطلب الرجوع ، لم يجد له سبيلاً ، وبَقِيَ في الهوان خاشعاً ذليلاً ، فيُعيرهم مَن سبقتْ لهم العناية ، من أهل الجد والتشمير ، ويقولون : هؤلاء الذين خسروا أنفسهم ، حيث لم يُتعبوها في مرضاة الله ، وأهليهم ، حيث لم يذكِّروهم الله . قال القشيري : قوله تعالى : { استجيبوا لربكم } بالوفاء بعهده ، والقيام بحقِّه ، والرجوع من مخالفته إلى موافقته ، والاستسلام في كل وقت لحُكمِه والطريق اليوم إلى الاستجابة مفتوحٌ ، وعن قريبٍ سيُغْلَقُ البابُ على القلب بغتة ، ويُؤخذ فلتةً . هـ . ويقال لكل واعظ وداع : { فإِن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً … } الآية . ثم بيَّن وجه ما تقدّم ، من أن الأمور كلها بيده ، هداية وإضلالاً ، وإنعاماً وابتلاء ، فقال : { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } .