Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 81-86)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { قلْ } يا محمد { إن كان للرحمن ولدٌ } على زعمكم { فأنا أول العابدين } لله ، كان أو لم يكن ، ويسمى هذا إرخاء العنان ، أي : أنا أول مَن يخضع لله ، كان له ولد أو لم يكن ، وقد قام البرهان على نفيه . قال معناه السدي ، أو : وإن كان للرحمن ولد فأنا أول مَن يعظم ذلك الولد ، وأسبقكم إلى طاعته ، والانقياد إليه ، كما يعظم ولد الملِك ، لتعظيم أبيه وهذا الكلام وارد على سبيل الفرض ، والمراد : نفي الولد ، وذلك أنه علَّق العبادة بكينونة الولد ، وهي محال في نفسها ، فكان الملعلق بها محالاً مثلها ، ونظيره ، قول سعيد بن جبير للحجاج - حين قال له : والله لأبدلنَّك بالدنيا ناراً تلظى - : لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلهاً غيرك . أو : إن كان للرحمن ولد في زعمكم { فأنا أول العابدين } أي : الموحِّدين لله ، المكذِّبين قولكم ، بإضافة الولد إليه لأن مَن عَبَدَ الله ، واعترف بأنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد . أو : إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ، أي : الجاحدين والآنفين من أن يكون له ولد ، مِن عبَدِ : بكسر الباء : إذا اشتد أنفسه فهو عبَد وعابد ، ومنه قول الشاعر : @ متى ما يشاء ذو الوُدِّ يَصْرِمْ خَليلَهُ ويَعْبَدْ عليه لا محالةَ ظالما @@ وقول الحريري : @ قال ما يجب على عابد الحقّ قال يحلف بالإله الخلق @@ أي : على جاحد الحق . وقيل هي " إنْ " النافية ، أي : ما كان للرحمن ولد فأنا أول من عبد الله ووحَّده ، فيوقف على " ولد " على هذا التأويل . رُوي : أن النضر قال : إن الملائكة بنات الله ، فنزلت الآية ، فقال النضر : ألا ترون أنه صدّقني فقال الوليد : ما صدّقك ، ولكن قال : ما كان للرحمن ولداً ، فأنا أوّل الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له . وسيأتي في الإشارة قول آخر . قال القشيري : وفي الآية وأمثالها دليل على جواز حكاية قول المبتدعة فيما أخطأوا فيه في الاعتقاد ، على وجه الردّ عليهم . هـ . قلت : ولا تجوز مطالقعة أقوالهم إلا لمَن رسختْ قدمه في المعرفة ، والإعراض عنها أسلم . ثم نزَّه ذاته عن اتخاذ الولد ، فقال : { سبحان ربِّ السماوات والأرض ربِّ العرش عما يصفون } أي : تنزّه رب هذه العوالم العظام عن اتخاذ الولد لأن اتخاذ الولد من صفة الأجسام ، ولو كان جسماً ما قدر على خلو هذه الأجرام ، وفي إضافة اسم الرب إلى أعظم الأجرام وأقواها ، تنبيه على أنها وما فيها من المخلوقات حيث كانت تحت ملوكت ربوبيته كيف يتوهم أن يكون شيء منها جزءاً منه . وفي تكرير اسم الرب تفخيم لشأن العرش . { فذرهم يخوضوا } في باطلهم { ويلعبوا } في دنياهم أي : حيث لم يُذعنوا لك ، ولم يرجعوا عن غيهم ، أعرض عنهم واتركهم في لهوهم ولعبهم ، { حتى يُلاقوا يومهم الذي يُوعدون } وهو القيامة ، فإنهم يومئذ يعلمون ما فعلوا ، وما يفعل بهم ، أو : يوم بدر ، قاله عكرمة وغيره . وهذا دليل على أن ما يقولونه إنما هو خوض ولعب لا حقيقة له . ثم ذكر انفراده بالألوهية في العالم العلوي والسفلي ، فقال : { وهو الذي في السماء إِله وفي الأرض إله } أي : وهو الذي هو معبود في السماء وفي الأرض ، فضمَّن " إله " معنى مألوه ، أي : وهو الذي يستحق أن يُعبد فيهما . وقرأ عُمر ، وأُبَي ، وابن مسعود : " وهو الذي في السماء الله وفي الأرض " كقوله تعالى : { وَهُو اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفِى الأَرْضِ } [ الأنعام : 3 ] ، وقد مرّ تحقيقه عبارةً وإشارةً . والراجع إلى الموصول : محذوف لطول الصلة ، كقولهم : ما أنا بالذي قائل لك سوءاً ، والتقدير : وهو الذي هو في السماء إله ، و " إله " . خبر عن مضمر ، ولا يصح أن يكون " إله " مبتدأ ، و " في السماء " خبره لخلو الصلة حينئذ عن العائد { وهو الحكيمُ } في أقواله وأفعاله { العليمُ } بما كان وما يكون ، أو : الحكيم في إمهال العصاة ، العليم بما يؤول أمرهم إليه ، وهو كالدليل على ما قبله من التنزيه ، وانفراده بالربوبية . { وتبارك الذي له ملكُ السماوات والأرض } أي : تقدّس وتعاظم الذي مَلَكَ ما استقر في السماوات والأرض { وما بينهما } إما على الدوام ، كالهواء ، أو في بعض الأوقات ، كالطير ، { وعنده علمُ الساعة } أي : العلم بالساعة التي فيها تقوم ، { وإِليه تُرجعون } للجزاء ، والالتفات للتهديد ، فيمن قرأ بالخطاب . { ولا يملك الذين يدعُونَ من دونه } أي : لا تملك آلهتهم التي يدعونها { من دونه } أي : من دون الله { الشفاعةَ } كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله { إِلا مَن شَهِدَ بالحق } الذي هو التوحيد ، { وهم يعلمون } بما يشهدون به عن بصيرة وإتقان وإخلاص ، وهم خواص المسلمين ، والملائكة . وجمع الضميرين باعتبار معنى مَن كما أن الإفراد أولاً باعتبار لفظها . والاستثناء : إما متصل ، والموصل عام لكل ما يعبد من دون الله ، أو : منقطع ، على أنه خاص بالأصنام . الإشارة : قل يا محمد : إن كان للرحمن ولد ، على زعمكم في عيسى والملائكة ، فأنا أولى بهذه النسبة على تقدير صحتها لأني أنا أول مَن عبد الله في سابق الوجود لأن أول ما ظهر نوري ، فعَبَد اللّهَ سنين متطاولة ثم تفرّعت منه الكائنات ، ومَن سبق إلى الطاعة كان أولى بالتقريب ، فلِمَ خصصتم الملائكة وعيسى بهذه النسبة ، وأنا قد سبقتهم في العبادة ، بل لا وجود لهم إلا من نوري ، لكن لا ولد له ، فأنا عبد الله ورسوله . قال جعفر الصادق : أول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم قبل كل شي ، وأول مَن وحّد الله عزّ وجل من خلقه ، دُرة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأول ما جرى به القلم " لا إله إلا الله محمد رسول الله " . هـ . قاله الورتجبي . ففي الآية إشارة إلى سبقيته صلى الله عليه وسلم ، وأنه أول تجلٍّ من تجليات الحق ، فمِن نوره انشقت أسرار الذات ، وانفلقت أنوار الصفات ، وامتدت من نوره جميع الكائنات . قوله تعالى : { فذهرم يخوضوا … } الخ ، كل مَن خاض في بحار التوحيد بغير برهان العيان ، تصدق عليه الآية ، وكذا كل مَن اشتغل بغير الله ، وبغير ما يُقرب إليه فهو ممن يخوض ويلعب ، وفي الحديث : " الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها إلا ذِكْرَ الله ، وما والاَه ، أو عالماً أو متعلماً " وقوله تعالى : { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة … } الخ . قال القشيري : وفي الآية دليل على أن جميع المسلمين تكون شفاعتهم غداً مقبولة . هـ . أي : لأنهم في الدنيا شَهِدوا بالحق ، وهو التوحيد عن علم وبصيرة ، لكن في تعميمه نظر لأن الاستثناء ، الأصل فيه الاتصال ، ولأن مَن شهد بالحق مستنثى من { الذين يدعون من دونه } - وهم الملائكة ، وعيسى ، وعزير ، فهم الذين شَهِدُوا بالحق ممن دعوا من دون الله ، وشفاعة مَن عداهم مأخذوة من أدلة أخرى . ثم ذكر إقرار المشركين بالربوبية ، فقال : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } .