Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 74-80)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { خالدون } : خبر " إن " ، و { في عذاب } : معمول الخبر ، أو : خبر ، و " خالدون " خبر بعد خبر . يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّ المجرمين } أي : الراسخين في الإجرام ، وهم الكفار ، كما ينبئ عنه إتيانه في مقابلة المؤمنين { في عذاب جهنم خالدون لا يُفَتَّرُ عنهم } لا يخفف عنهم ، من قولهم : فترت عنه الحمى : سكتت . قال القشيري : هم الكفار والمشركون ، أهل الخلود ، لا يُخفف عنهم ، وأما أهل التوحيد فقد يكون قومٌ منهم في النار ، ولكن لا يخلدون فيها فيقتضي دليل الخطاب أنه يُفتَّرُ عنهم العذاب ، أي : يخفف ، وورد في الخبر الصحيح : " أن الحق يُميتهم إماتة إلى أن يخرجوا منها " والميت لا يحس ولا يألم ، وذكر في الآية أنهم { مبلسون } فيدلّ أن المؤمنين لا إبلاس لهم ، وإن كانوا في بلائهم فهُمْ عَلَى وصف رجائهم ، ويُعدون أيامهم . هـ . وحمل ابن عطية الموت على المقاربة ، لا الموت حقيقة لأن الآخرة لا موت فيها ، قال : والحديث أراه على التشبيه ، لأنه كالسُبات والركود والهمود ، فجعله موتاً . انظره في { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى } [ الأعلى : 13 ] . وقال عياض في الإكمال : عن بعض المتكلمين : يحتمل الحقيقة ، ويحتمل الغيبة عن الإحساس ، كالنوم ، وقد سمي النوم وفاتاً لإعاده الحس . هـ . { وهم فيه } أي : في العذاب { مُبلِسُون } آيسون من الفرج ، متحيّرون ، { وما ظلمناهم } بذلك ، حيث أرسلناك الرسل { ولكن كانوا هم الظالمين } بتعريض أنفسهم للعذاب الخالد ، بمخالفة الرسل ، وإيثارهم التقليد على النظر . { ونادَوْا } وهم في النار لمَّا أيسوا من الفتور { يا مالكُ } وهو خازن النار . قيل لابن عباس : إن ابن مسعود يقرأ " يا مَالِ " - ورُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما أشغلَ أهلَ النَّار عن الترخيم ، قيل : هو رمز إلى ضعفهم وعجزهم عن تمام اللفظ . { ليقض علينا ربُّك } أي : ليُمِتْنا حتى نستريح ، مِن : قضى عليه إذا أماته ، والمعنى : سل ربك أن يقضي علينا بالموت ، وهذا لا ينافي ماذكر من إبلاسهم لأنه جُؤار ، وتمني الموت لفرط الشدة . { قال إِنكم ماكثون } لابثون في العذاب ، لا تتخلصون منه بموت ولا فتور ، قال الأعمش : أُنبئت أن بين دعائهم وبين إجابتهم ألف عام ، وفي الحديث : " لو قِيلَ لأهل النار : إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا ولو قيل لأهل الجنة ذلك لحزنوا ، ولكن جعل الله لهم الأبد " . { لقد جئناكم بالحقّ } في الدنيا بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وهو خطاب توبيخ وتقريع من جهته تعالى ، مقرر لجواب مالك ، ومُبين لسبب مكثهم ، وقيل : الضمير في قال لله تعالى ، أي : لقد أعذرنا إليكم بإرسال الرسل بالحق { ولكن أكثرَهم للحقِّ } أيّ حق كان { كارهون } لا تسمعونه وتفرُّون منه لأن مع الباطل الدَّعة ، ومع الحق التعب ، هذا في مطلق الحق ، وأما في الحق المعهود ، الذي هو التوحيد والقرآن ، فكلهم كارهون مشمئزون منه . { أم أبْرَموا أمراً } مبتدأ ، ناعٍ على المشركين ما فعلوا من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و " أم " منقطعة ، وما فيها من معنى " بل " للانتقال من توبيخ أهل النار إلى حكاية جناية هؤلاء ، أي : أم أحكم مشركو مكة أمراً من كيدهم ومكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، { فإِنا مُبْرِمُون } كيدنا حقيقة ، كما أبرموا كيدهم صورة ، كقوله تعالى : { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ الْمَكِيدُونَ } [ فاطر : 42 ] الآية . وكانوا يتناجون في أنديتهم . ويتشاورون في أمره صلى الله عليه وسلم . { أم يحسبون } بل يحسبون { أنا لا نسمعَ سِرَّهم } وهو ما حدَّثوا به أنفسهم أو غيرهم في مكان خال ، { ونجواهم } أي : ما تكلّموا به فيما بينهم بطريق التناجي ، { بلى } نحن نسمعها ونطَّلع عليها { ورسلُنا } الملائكة الذين يحفظون عليهم أعمالهم ، ويلازمونهم أينما كانوا { لديهم } أي : عندهم { يكتبون } كل ما صدر عنهم من الأفعال والأقوال ، ومن جملتها : ما ذكر من سرهم ونجواهم ، والجملة : إما عطف على ما يترجم عنه " بلى " ، أي : نكتبها ورسلنا كذلك ، أو حال ، أي : نسمعها والحال أن رسلنا يكتبونه . الإشارة : قوله تعالى : { إن المجرمين … } الخ … أما أهل الشرك فقد اتفق المسلمون على خلودهم ، إلا ما انفرد به ابن العربي الحاتمي والجيلي ، فقد نقلاً خبراً مأثوراً : أن النار تخرب ، وينبت موضعها الجرجير ، وينتقل زبانيتها إلى خزنة الجنان ، فهذا من جهة الكرم وشمول الرحمة لا يمنع ، ومن جهة ظواهر النصوص معارض ، وباطن المشيئة مما اختص الله تعالى به . ونقل الجيلي أيضاً في كتابه الإنسان الكامل : أن بعض أهل النار أفضل عند الله من بعض أهل الجنة يتجلّى لهم الحق تعالى في دار الشقاء . ونقل أيضاً : أن بعض أهل النار تعرض عليهم الجنة فيأنفون فيها ، وان بعض أهل النار يتلذّذون بها كصاحب الجرب . وذكر بعضهم أن أهل النار يتطبعون بها ، كالسمندل ، فهذه مقالات غريبة ، الله أعلم بصحتها . وعلى تقدير وقوعها في غيب مشيئته تعالى ، فلعلها في قوم مخصوصين من المسلمين ختم لهم بالشقاء بعد مُقاساة شدائد الطاعة ، أو : في قوم من أهل الفترة لم يكن فيهم إذاية ، أو صدر منهم إحسان ، والله أعلم بأسرار غيبه ، وأما أهل التوحيد فحالهم في النار أرفق من هذا ، بل حالهم فيها أروح من حال الدنيا من وجه . قال القشيري : ولقد قال الشيوخ : إن حالَ المؤمنين في النار - من وجه - أرْوَحُ لقلوبهم من حالهم اليوم في الدنيا لأن اليوم خوف الهلاك وغداً يقين النجاة ، وأنشدوا : @ عَيبُ السلامة أَنَّ صاحبَها مُتَوَقِّعٌ لِقَوَاصِمِ الظَّهْرِ وفَضِيلَةُ البَلْوَى تَرَقُّبُ أهلِها عُقْبَى الرَّجَاءِ ودَوْرَةُ الدَّهْرِ @@ ثم قال في قوله تعالى : { ونادوا يا مالك } لو قالوا : يا مَلِك بدل من يا مالك لكان أقربَ إلى الإجابة ، ولكنَّ الأجنبيةَ حالت بينهم وبين ذلك . هـ . أي : تعلقهم بالمخلوق دون الخالق . وقوله تعالى : { أم أبرموا أمراً … } الخ ، هي عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا ، يرد كيد مَن كادهم في نحره . وقوله تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم … } الخ ، قال القشيري : إنما خوَّفهم بسماع الملائكة ، وكتابتهم أعمالهم عليهم ، لغفلتهم عن الله ، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوّفهم بغير الله ، ومَن عَلِمَ أن أعماله تُكتَبُ عليه ، ويُطالَب بمقتضاها ، قلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسأَلَ عنه . هـ . ثم ردّ على مَن زعم اتخاذ الولد لله تعالى ، كعيسى والملائكة ، فقال : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } .