Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 40-50)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّ يوم الفصل } : أي : فصل احق عن الباطل ، وتمييز المحق من المبطل ، أو فصل الرجل عن أقاربه وأحبابه ، وهو يوم القيامة ، { ميقاتُهم أجمعين } أي : وقت موعدهم كلهم ، { يومَ لا يُغني مَوْلىً عن مَوْلىً شيئاً } لا يغني ناصر عن ناصر ، ولا حميم عن حميم ، ولا نسب عن نسيب ، شيئاً من الإغناء . قال قتادة : انقطعت الأسباب يومئذ بابن آدم ، وصار الناس إلى أعمالهم ، فمَن أصاب يومئذ خيراً ، سعد به ، ومَن أصاب يومئذ شرّاً شقي به . هـ . و { يوم } بدل من يوم الفصل ، أو : صفة لميقاتهم ، أو : ظرف لما دلّ عليه الفصل ، أي : يفصل في هذا اليوم ، { ولا هم يُنصرون } يُمنعون مما أراد الله ، والضمير لـ " مولى " باعتبار المعنى ، لأنه عام ، وقوله : { إلا مَن رحم } بدل من الواو في " يُنصرون " ، أي : لا يمنع من العذاب إلا مَن رحم الله ، بالعفو عنه ، أو بقبول الشفاعة فيه ، أوك منصوب على الاستثناء المنقطع ، أو : مرفوع على الابتداء ، أي : لكن مَن رحم { اللّهُ } فيُغْنِي عنه { إِنه هو العزيزُ } الغالب ، الذي لا يُنصر مَن أراد تعذيبه ، { الرحيمُ } لمَن أراد أن يرحمه . { إِنَّ شجرةَ الزقوم } هي على صورة شجرة الدنيا ، لكنها من النار ، والزقوم تمرها وهو كل طعام ثقيل . رُوي : أنها لما نزلت ، جمع أبو جهل عجوة وزبداً ، وقال لأصحابه : تزقَّموا ، فهذا هو الزقوم ، وهو طعامي الذي حدّث به محمد ، فقصد بذلك المغالطة والتلبيس على الجهلة . أي : إن ثمر شجرة الزقوم هو { طعامُ الأثيم } أي : الكثير الإثم ، وهو الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه . وقيل : نزلت في أبي جهل ، ثم تعم . وكان أبو الدرداء يُقرئ رجلاً ، فكان أبو الدرداء يقول : طعام الأثيم ، والرجل يقول : طعام اليتيم ، فكرّر عليه ، فلم يفهم منه فقال : " طعام الفاجر يا هذا " . قال النسفي : وبهذا يستدل على أن إبدال الكلمة مكان الكلمة جائز ، إذا كانت مؤدّية معناها ، ومنه أجاز أبو حنيفة رضي الله عنه القراءة بالفارسية ، بشرط أن يؤدي القارئ المعاني كلها ، من غير أن يَخْرِمَ منها شيئاً . انظر بقيته . { كالمُهل } وهو دُردِّيُّ الزيت ، أو : ما يمهل في النار فيذوب ، من نحاس وغيره ، { يغلي في البطون } مَن قرأه بالغيب رده للمهل ، أو للطعام ، ومَن قرأه بالتاء رده للشجرة ، { كغلي الحميم } الماء الحار الذي انتهى غليانه ، أي : غليان كغلي الحميم ، فالكاف في محل نصب ، ثم يقال للزبانية : { خُذوه } أي : الأثيم { فاعتلوه } أي : جُروه ، فالعتل : الأخذ بمجامع الشيء والسَّوق بالعنف والقهر ، يقال : عتل يعتُلِ بالضم والكسر ، أي : جروه { إلى سوء الجحيم } وسطها ومعظمها . { ثم صُبوا فوقَ رأسه من عذاب الحميم } المصبوب هو الحميم ، لا عذابه ، إلا أنه إذا صب عليه الحميم ، فقد صب عليه عذابه وشدته : والأصل : ثم صُبوا فوق رأسه عذاباً هو الحميم ، ثم أضيف العذاب إلى الحميم للمبالغة ، وزيد " من " للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع ، ويقال له : { ذقْ إِنك أنت العزيزُ الكريمُ } على سبيل الهزؤ والتهكُّم ، رُوي أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني ، فوالله لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً ، فتقول له الزبانية هذا على طريق الاستهزاء والتوبيخ . وقرأ الكسائي : " أنك " بالفتح ، أي : لأنك أنت العزيز في قومك ، الكريم في زعمك . { إِنَّ هذا ما كنتم به تمترون } تشكُّون ، وتُمارون فيه ، والجمع باعتبار المعنى لأن المراد جنس الأثيم . الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين ، ومقام عامة أهل اليمين ، فيرتفع المقربون ، ويسقط الغافلون ، فلا يُغنى صاحبٌ عن صاحب شيئاً ، ولا هم يُنصرون من السقوط عن مراتب الرجال ، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال ، إلا مَن رحم اللّهُ ، ممن تعلّق بالمشايخ الكبار ، من المريدين ، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم . وشجرة الزقوم هي شجرة المعصية فإنها تغلي في البطون ، وتعوق عن الوصول ، فقد قالوا : مَن أكل الحرام عصى الله ، أحبَّ أم كرِه ، ومَن أكل الحلال أطاع الله ، أحبَّ أم كَرِه ، فيقال : خُذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم ، وهي نار القطيعة البُعد ، ثم صُبوا فوق رأسه من هموم الدنيا ، وشغب الخوض والخواطر ، ذُقْ إنك أنت العزيز الكريم ، ولو كنت ذليلاً خاملاً لنلت العز والكرامة . وبالله التوفيق . ثم شفع بضدهم ، فقال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } .