Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 34-39)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّ هؤلاء } يعني كفار قريش لأن الكلام معهم ، وقصة فرعون مسوقة للدلالة على مماثلتهم في الإصرار على الضلالة ، والتحذير من حلول مثل حلّ بهم ، { لَيقولون إِن هي إِلا موتَتنا الأُولى } أي : ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى ، المزيلة للحياة الدنيوية ، ولا قصد فيه لإثبات موته أخرى ، كقولك : حجّ زيد الحجة الأولى ومات ، أو : ما الموتة التي تعقبها حياة إلا الموتة الأولى ، التي تقدّمت وجودنا ، كقوله : { وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأحْيَاكُمْ } [ البقرة : 28 ] كأنهم لما قيل لهم : إنكم تموتون موتة تعقبها حياة ، كما تقدمتكم كذلك ، أنكروها ، وقالوا : ما هي إلا موتتنا الأولى ، وأما الثانية فلا حياة تعقبها ، أوْ : ليست الموتة إلا هذه الموتة ، دون الموتة التي تعقب حياة القبر كما تزعمون ، { وما نحن بمُنشَرِين } بمبعوثين ، { فأتوا بآبائنا } خطاب لمَن كان بعدهم النشر ، من الرسول والمؤمنين ، { إِن كنتم صادقين } أي : إن صدقتم فيما تقولون ، فعجِّلوا لنا إحياء مَن مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ، حتى يكون دليلاً على أن ما تعدونه من البعث حق . قيل : كانوا يطلبون أن ينشر لهم قُصيّ بن كلاب ، ليُشاوروه ، كان كبيرهم ومفزعهم في المهمات ، قال تعالى : { أَهُم خيرٌ أم قومُ تُبَّع } ردّ لقولهم وتهديد لهم ، أي : أهم خير في القوة والمنعة ، اللتين يدفع بهما أساب الهلاك ، أم قوم تُبع الحميري ؟ وكان سار بالجيوش حتى حيّر الحيرة ، وبنى سمرقند ، وقيل : هدمها ، وكان مؤمناً وقومه كافرين ، ولذلك ذمّهم الله تعالى دونه ، وكان يكتب في عنوان كتابه : بسم الله الذي ملك برّاً وبحراً ومضحاً وريحاً . قال القشيري : كان تُبَّع ملك اليمن ، وكان قومه فيهم كثرة ، وكان مسلماً ، فأهلك اللّهُ قومَه على كثرة عددهم وكمال قوتهم . هـ . روي عنه عليه السلام أنه قال : لا تسبُّوا تُبعاً فإنه كان مؤمناً " هـ وقيل : كان نبيّاً ، وفي حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا أدري تُبعاً كان نبيّاً أو غير نبي " . وذكر السهيلي : أن الحديث يُؤذن بأنه واحد بعينه ، وهو - والله أعلم - أسعد أبو كرب ، الذي كسا الكعبة بعدما أراد غزوه ، وبعدما غزا المدينة ، وأراد خرابها ، ثم انصرف عنها ، لما أخبر أنها مهاجَر نبي اسمه " أحمد " وقال فيه شعراً ، وأودعه عند أهلها ، فكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر ، إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدُّوه إليه . ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب الأنصاري : حتى نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إليه ، وفي الكتاب الشعر ، وهو : @ شَهِدتُ عَلَى أَحمَدٍ أَنه رَسولٌ مِنَ الله بارِي النَّسمْ فَلَو مُدَّ عُمْرِي إلَى عُمْرهِ لكنتُ وزيراً له وابن عَمْ وأَلْزَمتُ طَاعَتَه كلَّ مَن عَلَى الأَرْضِ ، مِنْ عُرْبٍ وعَجمْ ولَكِن قَوْلي له دَائماً سَلاَمٌ عَلَى أَحْمَدٍ في الأمَمْ @@ وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا : أنه حُفر قبرٌ بصنعاء في الإسلام ، فوجد فيه امرأتان ، وعند رؤوسهما لوح من فضة ، مكتوب فيه بالذهب اسمهما ، وأنهما بنتا تُبع ، تشهدان ألا إله إلا الله ، ولا تُشركان به شيئاً ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما . هـ . ويقال لملوك اليمن : التبابعة لأنهم يُتبعون ، ويقال لهم : الأقيال لأنهم يتقيلون . هـ . { والذين مِن قبلهم } عطف على " قوم تُبع " ، والمراد بهم عاد وثمود ، وأضرابهم من كل جبار عنيد ، أُولي بأس شديد ، { أهلكناهم } بأنواع من العذاب { إِنهم كانوا مجرمين } تعليل لإهلاكهم ، ليعلم أن أولئك حيث أهلكوا بسبب إجرامهم مع ما كانوا عليه من غاية القوة والشدة ، فكان مهلكَ هؤلاء - وهم شركاؤهم في الإجرام ، مع كونهم أضعف منهم في الشدة والقوة - أولى . قال الطيبي : لما أنكر المشركون الحشر ، بقولهم : { إن هي إلا موتتنا الأولى } وبَّخهم بقوله : { أهم خير أم قوم تبع } إيذاناً بأن هذا الإنكار ليس عن حجة قاطعة ودليل ظاهر ، بل عن مجرد حب العاجلة ، والتمتُّع بملاذ الدنيا ، والاغترار بالمال والمآل والقوة والمنعة ، أي : كما فعل بمَن سلك قبلَهم من الفراعنة والتبابعة حتى هلكوا ، كذلك يفعل بهؤلاء إن لم يرتدعوا . ثم قرّر أن الحشر لا بُد منه بقوله : { وما خلقنا السماواتِ والأرضَ وما بينهما } أي : بين الجنسين ، { لاعبين } لاهين من غير أن يكون في خلقهما غرض صحيح ، وغاية حميدة ، جلّ جناب الجلال عن ذلك ، { ما خلقناهما إِلا بالحق } أي : ما خلقناهما ملتبساً بشيء من الأشياء إلا ملتبساً بالحق ، أو : ما خلقناهما بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق ، الذي هو الإيمان والطاعة في الدنيا ، والبعث والجزاء في العقبى . قال الطيبي : وقد سبق مراراً : أنه ما خلقهما إلا ليوحَّد ويُعبَد ، ثم لا بد أن يجزي المطيع والعاصي ، وليست هذه دار الجزاء . وقال ابن عرفة : قوله : { إلا بالحق } أي : إلا مصاحبين للدلالة على النشأة الآخرة ، وهي حق . هـ . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أنهن خُلقن لذلك ، بل عبثاً ، تعالى الله عن ذلك . الإشارة : كانت الجاهلية تُنكر البعث الحسي ، والجهلة اليوم ينكرون البعث المعنوي ، ويقولون : { إن هي إلا موتتنا الأولى } أي : موت قلوبنا وأرواحنا بالجهل والغفلة ، فكيف يكون الرجل منهمكاً في المعاصي ، يمت القلب ، ثم ينقذه الله ويُحييه بمعرفته ، حتى يصير وليّاً من أوليائه مَن استغرب أن يُنقذه الله من شهوته ، وأن يُخرجه من وجود غفلته ، فقد استعجز قدرة الإلهية ، وكان الله على كل شيء مقتدراً " أهم خير أم قوم تُبع ؟ وقد أخرج الله من قومه أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من خواص أحبابه ، حتى قال : " الناس دثار والأنصار شِعار ، لو سلك الناسُ وادياً أو شِعباً ، وسلكتْ الأنصارُ وادياً ، لسلكتُ واديَ الأنصار وشِعبهم " وما خلقنا الأجرام العظام إلا لتدل على كمال قدرتنا ، والسلام . ثم ذكر شأن البعث الذي أنكرته الجاهلية ، فقال : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ } .