Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 14-15)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { يغفِروا } قيل : جواب الأمر المذكور ، أي : إن تقل يغفروا ، وقيل لأمر محذوف ، أي : قل لهم اغفروا يغفروا ، وقيل : حذف لام الأمر ، أي : ليغفروا ، وقرأ أبو جعفر : ليُجزي قوماً بالبناء للمفعول ، ونصب قوماً إما على نيابة المصدر ، أي : ليجزي الجزاء قوماً ، أو ليجزي الخيرُ قوماً ، فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه ، أو ناب الجار مع وجود المفعول به ، وهو قليل . يقول الحق جلّ جلاله : { قل للذين آمنوا يغفِروا للذين لا يرجون أيامَ الله } أي : يعفوا ويصفحوا عن الذين لا يتوقعون نِقَمه ووقائعه بأعدائه ، من قولهم : " أيام العرب " لوقائعها ، أو : لا يأمّلون الأوقات التي وقّتها الله تعالى لثواب المؤمنين ، ووعدهم بالفوز فيها . قيل : نزلت قبل آية القتال ثم نُسخت ، قال ابن عطية : ينبغي أن يقال : إن الأمور العظام ، كالقتل والكفر مجاهدة ونحو ذلك ، قد نَسخ غفرانَه آيةُ السيف والجزية ، وإن الأمور الحقيرة ، كالجفاءِ في القول ونحو ذلك ، يحتمل أن تبقى مُحكمة ، وأن يكون العفو عنها أقرب للتقوى . هـ . قيل : نزلت في عمر رضي الله عنه حين شتمه رجل من غفار ، فهَمَّ أن يبطشَ به ، فنزلت . وقيل : نزلت في ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في أذّى شديد من المشركين ، قبل أن يُؤمروا بالقتال ، فشكَوْا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا تكون الآية مكية . وقال ابن عباس : لما نزل : { مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] قال فنحاص : افتقر رَبُّ محمد ، فلما بلغ ذلك عُمر ، طلبه بالسيف ليقتله ، فنزلت ، فوضع السيف ، وقال : والذي بعثك بالحق لا يُرى الغضب في وجهي . وقيل : في شأن أُبيّ ابن سلول ، رأس المنافقين ، لَمّا قال في غزوة المريسيع : ما مثلُنا ومثل هؤلاء - يعني المهاجرين - إلا كما قيل : سَمِّنْ كلبَك يأكلك ، فبلغ ذلك عمر ، فاشتمل السيف ، يريد التوجه إليه ، فنزلت . وعلى هذا تكون مدنية . { لِيَجزيَ قوماً بما كانوا يكسبون } أي : إنما أُمروا أن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة . وتنكير قوم مدح لهم ، كأنه قيل : لِيَجزي قوماً - أيَّما قوم ، أو قوماً مخصوصين - بالصبر بسبب ما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة ، التي من جملتها الصبر على إذاية الكفار ، والإغضاء عنهم ، بكظم الغيظ ، واحتمال المكروه ، ما يقصر عنه البيان من الثواب العظيم ، ويجوز أن يُراد بالقوم : الكفرة ، وبما كانوا يكسبون : سيئاتهم ، التي من جملتها ما كانوا يؤذون به المسلمين . { من عَمِلَ صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها } أي : لها الثواب وعليها العقاب ، لا يكاد يسري عمل إلى غير عامله ، { ثم إِلى ربكم تُرجعون } فيجازيكم على أعمالكم ، خيراً كان أو شرّاً . الإشارة : مذهب الصوفية : العفو عمن ظلمهم ، والإحسان إلى مَن أساء إليهم لأنهم رحمة للعباد ، ومقصدهم بذلك رضا الله ، لأن الخلق عيال الله ، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله . قال اللجائي رضي الله عنه في شمائل الخصوص : قصد السادات بالعفو عمن ظلمهم ، ابتغاء مرضاة الله ، لا ابتغاء الثواب ، فإنه تعالى يحب العفو ، وتسمَّى به . ومقصدهم بالعفو أيضاً : قطع العداوة الحِقد عن الظالم ، وترك الانتصار منه ، بيدٍ أو لسان ، استعداداً منهم لسلامة الصدور . ومقصدهم أيضاً : زوال الذِّلة عن الظالم في موقف الحساب ، من أجل ما يطالَبُ به من الحقوق ، وهو ضرب من الشفقة على العبيد ، وهو مقام محمود ، فشأنهم رضا الله عنهم إذا حلّ بالعباد في الموقف بلاء ، أرادوا أن يكونوا للخلق فداء ، فهذا أدنى مقام في العفو . هـ . وفي الحديث : " إذا جمع الله الخلائقَ يوم القيامة ، نادى مناد : أين أهل الفضل ، فيقوم ناس ، وهم يَسير ، فينطلقون إلى الجنة سِراعاً ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إنَّا نراكم سراعاً ؟ فيقولون : نحن أهل الفضل ، فيقولون : ما فضلُكُم ؟ فيقولون : كنا إذا ظُلِمنا صَبَرْنا ، وإذا جُهلَ عينا حَلُمنا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة : فنعم أجر العاملين " . قال القشيري بعد كلام : فمَن أراد أن يعرف كيف يحفظ أولياءَه ، وكيف يُدمِّر أعداءَه ، فليصبرْ على أيامٍ قلائل ، ليعلم كيف صارت عواقبُهم ، مَن عمل صالحاً فله مَهْناه ، ومَن ارتكب سيئة قاسى بلواه ، ثم مرجعه إلى مولاه . هـ . ثم ذكر ما منَّ به على بني إسرائيل ، بعدما ذكر ما منَّ به على عباده جملة ، فقال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } .