Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 18-20)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { ثم جعلناك } يا محمد بعد اختلاف أهل الكتاب ، { على شريعةٍ } على طريقة عظيمة الشأن ، ومنهاج واضح { من الأمر } الدين ، وأصل الشريعة في اللغة : مورد الماء ، أي : الطريق الموصلة إليه ، ثم جعل للطريق الموصلة إلى حياة القلوب والأرواح لأن الماء به حياة الأشباح ، { فاتّبِعْها } بإجراء أحكامها في نفسك وفي غيرك ، من غير إخلال بشيء منها . قال ابن عرفة : الخطاب له عليه السلام ، والمراد غيره لأنه معلوم الاتباع التام ، أو : دم على اتباعها . هـ . { ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } أي : لا تتبع آراء الجهلة واعتقاداتهم الزائغة التابعة للشهوات ، وهم رؤساء قريش ، كانوا يقولون له صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى دين آبائك . { إنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئاً } مما أراد بك إن اتبعتهم ، أي : لن ينفعونك بدفع ما ينزل بك بدلاً من الله شيئاً إن اتبعت أهواءهم ، { وإِنَّ الظالمين بعضُهم أولياءُ بعضٍ } فلا يُواليهم ولا يتبع أهواءهم إلا مَن كان ظالماً مثلهم ، { والله وليّ المتقين } أي : ناصر المتقين ، الذين أنت قدوتهم ، فدمْ على ما أنت عليه من توليته خاصةً ، والإعراض عما سواه بالكلية . { هذا بصائرُ للناس } أي : هذا القرآن واتباع الشريعة بصائر لقلوب الناس ، كما جُعل روحاً وحياة لها ، فإنَّ مَن تمسك بالكتاب والسنّة ، وأمعن فيها النظر ، وعمل بمقتضاهما ، فُتحت بصيرته ، وحيي قلبُه ، { وهُدىً } من الضلالة { ورحمةٌ } من العذاب { لقوم يوقون } لمَن كَمُلَ إيمانه وإيقانه بالأمور الغيبية . الإشارة : الشريعة لها ظاهر وباطن ، وهو لُبها وخالصها ، فالعامة أخذوا بظاهرها ، فأخذوا بكل ما يُبيحه ظاهرالشريعة من الرخص والسهولة ، ولا نظر عندهم لقلوبهم من النقص والزيادة ، والخاصة أخذوا بباطنها ، فأخذوا منها بالمُهم ، وتركوا كل ما يَفتنهم أو ينقص من نور إيقانهم ، فوصلوا بذلك إلى حضرة ربهم ، فيقال للمريد : ثم جعلناك على طريقة واضحة من أمر الخاصة ، فاتبعها ، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ما يزيد في قلوبهم وما ينقص . إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً إن أبعدك بميلك إليهم واتباع أغراضهم . قال القشيري : { إنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئاً } إن أراد بك نعمة ، فلا يمنعُها أحد ، وإن أراد بك فتنة فلا يصرفها عنك أحد ، فلا تُعلِّقْ بمخلوقٍ فكرك ، ولا توجه ضميرك إلى شيء ، وثِقْ به ، وتوكلْ عليه . هـ . وأهل الغفلة بعضهم أولياء بعض ، يتوالون على حظوظ الدنيا وشهواتها ، { والله وليُّ المتقين } الذي اتقوا كل ما يشغل عن الله ، { هذا بصائر للناس } أي : سبب فتح بصائرهم ، { وهُدى } أي : إشارة لطريق الوصول ، ورحمة للأرواح والقلوب ، لقوم يوقنون ، أي : لأهل اليقين الكبير . قال القشيري : { هذا بصائرُ للناس } أنوار البصيرة إذا تلألأت انكشفت دونهما تهمةُ التجويز ، ونظرُ الناس على مراتب ، مَن نظر بنور نجومه ، فهو صاحب عقل ، ومَن نظر بنور فراسته فهو صاحب ظن ، يُقَوِّيه لوْحُ ، لكنه من وراء ستر ، ومَن نظر بيقين فهو على تحكُّم برهان ، ومَن نظر بعين إيمان فهو بوصف اتباع ، ومَن نظر بنور بصيرة ، فهو على نهار ، وشمسه طالعة ، وشمسه عن السحاب مصيحة . هـ . ثم بَيّن حال مَن لا يرجو أيام الله ومَن يرجوه ، فقال : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } .