Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 21-22)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أم } : منقطعة ، والهمزة لإنكار الحسبان ، مَن قرأ " سواء " بالرفع فخبر مقدّم ، و { محياهم } : مبتدأ ، ومَن قرأ بالنصب فحال من ضمير الظرف ، أي : كائنين كالذين آمنوا ، حال كونهم مستوياً محياهم ومماتهم ، و " محياهم " - حينئذ - فاعل بسواء ، وقرأ الأعمش : " ومماتهم " بالنصب على الظرفية . يقول الحق جلّ جلاله : { أم حَسِبَ الذين اجْتَرحوا } اكتسبوا { السيئات } من الكفر والمعاصي ، وسميت الأعضاء جوارح لاكتسابها الخير والشر ، ويقال : فلان جارحة أهله أي : كاسبهم ، أي : أظنُّوا أن نصيِّرهم { كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } وهم فيما هم فيه من محاسن الأعمال ، ونعاملهم معاملتهم في رفع الدرجات ، أي : حتى يكونوا { سواءً } في { محياهم ومماتهم } كلاَّ ، بل نجعل أهل الإيمان في محياهم ومماتهم متنعمين بطاعة مولاهم ، مطمئنين به ، يَحيون حياة طيبة ، ويموتون موتة حسنة ، وفي مماتهم مكرمين بلقاء مولاهم ، في روح وريحان ، وجنات نعيم ، ونجعل أهل الكفر والعصيان في محياهم في ذُلّ المعصية ، وكد الحرص وكدر العيش ، وفي الممات في ضيق العذاب الخالد ، { ساء ما يحكمون } أي : ساء حكمهم هذا ، أو : بئس شيئاً حكموا به . قال النسفي : والمعنى إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محياً ومماتاً لافتراق أحوالهم أحياء ، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات ، وأولئك على اقتراف السيئات ، ومماتاً حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة ، وأولئك على اليأس من الرحمة والندامة . وقيل : معناه : إنكار أن يستووا في الممات ، كما استووا في الحياة في الرزق والصحة . ساء ما يحكمون ، فليس مَن أُقْعِدَ على بساط الموافقة ، كمَن أُبعد في مقام المخالفة ، بل تفرّق بينهم ، فنعلي المؤمنين ، ونخزي الكافرين . هـ . وسبب نزول الآية : افتخار وقع للكفار على المؤمنين ، قالوا : لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن فيها كما فضلنا في الدنيا ، فردّ الله عليهم ، وأبطل أمنيتهم . { وخلق اللّهُ السماوات والأرض بالحق } لتدل على قدرته على البعث وغيره ، قال البيضاوي : كأنه دليل على الحُكم السابق ، من حيث إن خلق ذلك بالحق المقتضي للعدل ، يقتضي انتصار المظلوم من الظالم ، والتفاوت بين المحسن والمسيء ، إذا لم يكن في المحيا كان بعد الممات . هـ . { ولتُجزى كلُّ نفسٍ بما كَسَبَتْ } عطف على هذه العلة المحذوفة ، أي : لتدل ولتُجزى ، أو على " بالحق " لأن فيه معنى التعليل إذ معناه : خلقها مقرونة بالحكمة والصواب ، دون العبث ولتُجزى … الخ ، أو : ليعدل وتُجزى كل نفس بما كسبت ، { وهم } أي : النفوس ، المدلول عليها بكل نفس { لا يُظلمون } بنقص الثواب أو زيادة عقاب . الإشارة : أم حَسِبَ الذين ماتوا على دنس الإصرار ، أن نجعلهم كالمطهرين الأبرار أم حسب الذين عاشوا في البطالة والتقصير أن نجعلهم كالذين عاشوا في الجد والتشمير ؟ " أم حَسِبَ الذين عاشوا في غم الحجاب ، وصاروا إلى سوء الحساب ، أن نجعلهم كالذين تهذّبوا حتى ارتفع عنهم الحجاب ، وصاروا إلى غاية الكرامة والاقتراب ؟ لا استواء بينهم في المحيا ولا في الممات ، الأولون عاشوا معيشة ضنكاً ، وصاروا بعد الموت إلى الندامة والحسرة ، والآخرون عاشوا عيشة راضية ، وماتوا موتة طيبة ، وصاروا إلى كرامة أبدية ، ولهذا بكت الأكابرُ عند قراءتها ، فَرُويَ عن تميم الداري : أنه كان يُصلي ليلة عند المقام ، فبلغ هذه الآية ، فجعل يبكي ويرددها إلى الصباح . وعن الفُضيل : أنه بلغها ، فجعل يبكي ، ويقول : يا فضيل ! ليت شعري من أيّ الفريقين أنت ؟ وعن الربيع بن خيثم : أنه قام يصلي ليلة ، فمرّ بهذه الآية ، فمكث ليلةً حتى أصبح يبكي بكاءً شديداً ، وكانت تُسمى مَبْكاة العابدين . وسبب تسوية العاصي مع المطيع الانهماك في الهوى ، كما أبان ذلك الحق تعالى بقوله : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } .