Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { حمۤ } يا محمد ، أو : الوحي إلى محمد ، { تنزيلُ الكتاب من الله } أي : هذا تنزيل القرآن ، وهو من الله { العزيزِ الحكيم } فمَن حفظه ، وعرف ما فيه ، وعمل بمضمنه كان عزيزراً على الله ، حكيماً فيما يبدئ ويعيد . { ما خلقنا السماواتِ والأرض وما بينهما } من المخلوقات { إِلا بالحق } أي : إلا ملتبساً بالحق الذي تقتضيه الحكمة التكوينية والتشريعية ، فالاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل ، أو من أعم الأحوال ، أي : ما خلقناهما في حال من الأحوال إلا حال ملابستنا بالحق ، وفيه من الدلالة على وجود الصانع ، وصفات كماله ، وابتناء أفعاله على حكمة بالغة ، ما لا يخفى ، { وأجل مُسمىً } تنتهي إليه ، وهو يوم القيامة ، يوم تُبدل الأرض غير الأرض والسموات ، { والذين كفروا عما أُنذروا } به من هول ذلك اليوم ، الذي لا بُد لكل مخلوق من الانتهاء إليه ، { مُعرِضُون } لا يؤمنون به ، ولا يهتمُّون بالاستعداد له ، ويجوز أن تكون " ما " مصدرية ، أي : عن إنذارهم ذلك اليوم معرضون . وحاصل افتتاح السورة : أنّ الوحي الخاص إلى محمد هو منزل من الله العزيز ، الذي عَزَّ عن الافتراء عليه ، وأعزَّ بالوحي مَن تمسّك به ، الحكيم في تنزيله وحيه ، مرشداً لعباده لِمَا فيه صلاحهم وهداهم ، ومن حكمته : أنّ خلق السموات والأرض دالاًّ بذلك على توحيده ، وكماله في أوصافه وتدابيره ، المقتضية لترتُّب دار الجزاء على دار العمل ، بحيث لا يُسَوِّي بين مبطل ومحق ، فأرشد بخلق الأشياء إلى حكمته دلالة ، ثم بإنزال الوحي بذلك قالة ، ومع وضوح الأمر في دلالتهما أعرض الذين كفروا من غير دليل عقلي ولا نقلي متواتر ولا آحاد ، على أنَّ ما اقتضاه الوحي إلى محمد من التوحيد ، والجزاء المرتب على الإخلاص له ، والصدق في عبودية الله ، والدعاء إلى محاسن الأخلاق ، مما اجتمعت عليه الرسل قبله ، فليس بمدع مِن عنده . هـ . من الحاشية . الإشارة : { حمۤ } يا حبيب ممجد ، قد مجدناك بإنزال كتابنا ، وعززناك برسالتنا ، ما خلقنا الكائنات إلا ملتبسة بأسرار الحق ، وأهل الغفلة معرضون عن هذا . قال القشيري : حَمَيْتُ قلوبَ أهل عنايتي ، فصرفتُ عنها خواطر التجويز ، ورميتها في مشاهد اليقين بنور التحقيق ، فيها شواهد برهانهم ، أي : برهان العيان - فأضفنا إليها لطائف إحساننا ، فكملت مَنالها من عين الوصلة ، وغديناهم بنسيم الأنس في ساحات القربة . { العزيز } المعز للمؤمنين بإنزال الكتب ، { الحكيم } لكتابه عن التبديل والتحويل . هـ . وخواطر التجويز هي خواطر الشك في المقدور ، يجوز الوقوع وعدمه بسبب ضعف اليقين ، فإذا انتفى عن القلب خواطر التجويز ، دخله السكون والطمأنينة ، وارتاح في ظل برد الرضا والتسليم . والله تعالى أعلم . ثم وبَّخهم على الشرك بعد ظهور بطلانه ، فقال : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } .