Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 26-28)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { فيما } موصولة ، أو موصوفة ، ومفعول { اتخذوا } الأول : محذوف ، و { آلهة } مفعول ثان ، أي : اتخذوهم آلهة ، و { قرباناً } حال ، ولا يصح أن يكون مفعولاً ثايناً لـ " اتخذوا " ، و " آلهة " : بدل ، لفساد المعنى ، وأجازه ابن عطية ، ووجه فساده : أن اتخاذهم آلهة منافٍ لاتخاذهم قرباناً لأن القربان مقصود لغيره ، والآلهة مقصود بنفسها ، فتأمله ، و " إن " نافية ، والأصل : فيما ما مكنكم فيه ، ولمّا كان التكرار مستثقلاً جيء بأن ، كما قالوا في مهما ، والأصل : مَا مَا ، فلبشاعة التكرار قلبوا الألف هاء ، وقيل : " إن " صلة ، أي : في مثل ما مكنكم فيه ، والأول أحسن . يقول الحق جلّ جلاله : { ولقد مكَّنَّاهم } أي : قررنا عاد ومكناهم في التصرُّف { فيما } أي : في الذي ، أو في شيء ما { مكناكم } يا معشر قريش { فيه } من السعة والبسطة ، وطول الأعمار ، وسائر مبادئ التصرفات ، فما إغنى عنهم شيء من ذلك ، حين نزل بهم الهلاك ، وهذا كقوله تعالى : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَكُمْ } [ الأنعام : 6 ] أو : ولقد مكنهم في مثل ما مكنكم فيه ، فما جرى عليهم يجري عليكم ، حيث خالفتم نبيكم ، والأول أوفق بقوله : { كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَءَاثَاراً فِى الأَرْضِ } [ غافر : 21 ] وقوله : { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } [ مريم : 74 ] . { وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً } أي : آلات الإدراك والفهم ، ليعرفوا بكل واحدة منها ما خلقتْ له ، وما نيطت به معرفته ، من فنون النعم ، ويستدلوا بها شؤون منعمها ، ويداوموا على شكرها ، ويوحدوا خالقها ، ، { فما أغنى عنهم سمعُهم } حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل ، { ولا أبصارهم } حيث لم يُبصروا ما نصب من الآيات الدالة على وحدانيته تعالى ووجوب وجوده ، { ولا أفئدتهم } حيث لم يتفكّروا بها في عظمة الله تعالى وأسباب معرفته ، فما أغنت عنهم { من شيء } أي : شيئاً من الإغناء . و { من } زائدة للتأكيد ، وقوله : { إِذ كانوا يجحدون بآيات الله } ظرف لقوله : { فما أغنى } جارٍ مجرى التعليل ، لاستواء مؤدّي التعليل والظرف في قولك : ضربته إذ أساء ، أو : لإساءته ، لأنك إذا ضربته وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه ، وكذلك الحال في " حيث " دون سائر الظروف غالباً ، أي : فما أغنت عنهم آلات الإدراك لأجل جحودهم بآيات الله . { وحاق } أي : نزل { بهم ما كانوا به يستهزؤون } من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ، ويقولون : { فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين } . { ولقد أهلكنا ما حولَكم من القرى } يا أهل مكة ، كحِجر ثمود ، وقرى لوط ، والمراد : أهل القرى ، ولذلك قال : { وصرَّفنا الآياتِ } كرّرناه ، { ولعلهم يرجعون } أي : كرّرنا عليهم الحجج وأنواع العِبر لعلهم يرجعون من الطغيان إلى الإيمان ، فلم يرجعوا فأنزلنا عليه العذاب . { فلولا نَصَرَهم الذين اتخذوا من دون الله قُرباناً آلهةً } أي : فهلاّ منعهم وخلصهم من العذاب الأصنام الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ، حال كونها متقرباً بها إلى الله ، حيث كانوا يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [ الزمر : 3 ] و { هَؤُلآءِ شُفَعَآؤُنَا عِندَ اللَّهِ } [ يونس : 18 ] { بل ضلوا عنهم } أي : غابوا عن نصرتهم ، { وذلك إِفكهم وما كانوا يفترون } الإشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم وضلالهم ، أي : وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذها آلهة ، وثمرة شركهم ، وفترائهم على الله الكذب . وقرأ ابن عباس وابن الزبير : { أَفَكَهم } أي : صرفهم عن التوحيد . وقُرئ : بتشديد الفاء ، للتكثير . الإشارة : التمكُّن من كثرة الحس لا يزيد إلا ضعفاً في المعنى ، وبُعداً من الحق ، ولذلك يقول الصوفية : كل من زاد في الحس نقص في المعنى ، وكل ما نقص في الحس زاد في المعنى ، والمراد بالمعنى : كشف أسرار الذات وأنوار الصفات ، وما مكّن اللّهُ تعالى عبدَه من الحواس الخمس إلا ليستعملها فيما يقربه إليه ، ويوصله إلى معرفته ، فإذا صرفها في غير ذلك ، عُوقب عليها . وبالله التوفيق . ثم ذكر حال مَن أغنى عنه سمعه ونَفَعَه ، حيث استعمله فيما وصله إلى ربه ، فقال : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ } .