Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 16-18)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { آنفاً } : قال الزمخشري ومَن تبعه : ظرف ، أي : الساعة ، وقال أبو حيان : لا أعلم أحداً عدّه من الظروف ، وجوَّز " مَكيّ " فيه الظرف والحالية . قال الهروي : " آنفاً " مأخذوة من : ائتنفت الشيء : إذا ابتدأته ، وروضة أنُفٌ : إذا لم تُرعَ . المعنى : ماذا قال في وقت يقرب من وقتنا ؟ و { أن تأتيهم } : بدل اشتمال من الساعة . يقول الحق جلّ جلاله : { ومنهم مَن يستمعُ إليك } وهم المنافقون ، كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسمعون كلامه ولا يَعُونَه ، ولا يُراعونَه حق رعايته ، تهاوناً منهم ، { حتى إِذا خرجوا من عندك قالوا للذين أُوتوا العلم } من الصحابة رضي الله عنهم : { ماذا قال آنفاً } ما الذي قال الساعة ؟ على طريقة الاستهزاء ، أو : ما القول الذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه ؟ وقال مقاتل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، ويعيب المنافقين ، فسمع المنافقون قوله ، فلما خرجوا من المسجد ، سألوا ابنَ مسعود عما قال النبي صلى الله عليه وسلم استهزاء . وقال ابن عباس : " أنا من الذين أُوتوا العلم ، وقد سُئلت فيمن سُئل " . ويقال : الناس ثلاثة : سامع عامل ، وسامع غافل ، وسامع تارك . { أولئك الذين طبع اللّهُ على قلوبهم } لعدم توجهها إلى الخير أصلاً ، { واتبعوا أهواءهم } الباطلة ، فلذلك فعلوا ما فعلوا ، مما لا خير فيه ، { والذين اهتدوا } إلى طريق الحق { زادهم } الله بذلك { هُدىً } علماً وبصيرة ، أو شرْح صدر بالتوفيق والإلهام ، أو : زادهم ما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم هدايةً على ما عندهم ، { وآتاهم تقواهم } أعانهم عليها ، أو : آتاهم جزاء تقواهم ، أو : بيَّن لهم ما يتقون . { فهل ينظرون } أي : ما ينتظرون { إِلا الساعةَ أن تأتيهم بغتةً } أي : تُباغِتهم بغتةً ، وهي الفجاءة ، والمعنى : أنهم لا يتذكرون بأحوال الأمم الخالية ، ولا بالإخبار بإتيان الساعة ، وما فيها من عظائم الأهوال ، وما ينظرون إلا إتيان نفس الساعة بغتة ، { فقد جاء أشراطُها } علاماتهان جمع : شَرَط بالتحريك ، بمعنى : العلامة ، وهي مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وانشقاق القمر ، والدخان ، على قول . وقيل : قطع الأرحام ، وقلة الكِرام ، وكثر اللئام ، فقوله تعالى : { فقد جاء أشراطها } تعليل لمفاجأتها ، لا لمطلق إتيانها ، على معنى : أنه لم يبقَ من الأمور الموجبة للتذكير أمر مترقب ينتظرونه سوى إتيان نفس الساعة إذ قد جاء أشراطها ، فلم يرفعوا لها رأساً ، ولم يعدوها من مبادئ إتيانها فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا محالة . { فأنَّى لهم إِذا جاءتهم ذِكراهم } قال الأخفش : التقدير : فأنَّى لهم ذكراهم إذا جاءتهم ، أي : فمن أين لهم التذكير والاتعاظ إذا جاءتهم الساعة ؟ فـ " ذكراهم " : مبتدأ ، و " أنَّى " : خبر مقدم ، و " إذا جاءتهم " : اعتراض ، وسط بينهما ، رمز إلى غاية سرعة مجيئها ، والمقصود : عدم نفع التذكير عند مجيئها ، كقوله تعالى : { يَوْمَئِذ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } [ الفجر : 23 ] . الإشارة : مجلس الوعظ والتذكير ، إن كان المذكِّر من أهل التنوير ، نهض المستمع له إلى الله قطعاً ، لكن ذلك يتفاوت على قدر سريان النور فيه قطعاً ، فمنهم مَن يصل النور إلى ظاهر قلبه ، ومنهم مَن يصل إلى داخل القلب ، ومنهم مَن يصل إلى روحه ، ومنهم مَن يصل إلى سره ، وذلك على قدر التفرُّع والاستعداد ، فمَن وصل النورُ إلى ظاهر قلبه نهض إلى العمل الظاهر ، وكان بين حب الدنيا والآخرة ، ومَن وصل إلى قلبه نهض بقلبه إلى الله ، ورفض الدنيا وراءه ، ومَن وصل إلى روحه انكشف عنه الحجاب ، ومَن وصل إلى سره تمكن من شهود الحق . وفي الحِكَم : " تسبق أنوارُ الحكماء أقوالَهم ، فحيثما سار التنويرُ وصل التعبير " ، وهذا إن حضر مستفيداً ، وأما إن حضر منتقداً ، فهو قوله تعالى : { ومنهم من يستمع إليك … } الآية ، والذين اهتدوا لدخول طريق التربية زادهم هُدىً ، فلا يزالون يزيدون تربيةً وترقيةً إلى أن يصلوا إلى مقام التمكين من الشهود . قال القشيري : والذين اهتدوا بأنواع المجاهدات زادهم هُدىً لأنوار المشاهداتْ ، واهتدوا بتأمُّل البرهان ، فزادهم هُدىً برَوْح البيان ، أو اهتدوا بعلم اليقين ، فزادهم هُدىً بحق اليقين . هـ . ثم ذكر سبب الهداية وأساسها ، فقال : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } .