Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { الذين } : مبتدأ ، و { أضل } : خبر ، و { من ربهم } : من ضمير الحق ، وجملة { وهو … } الخ : اعتراضية بين المبتدأ والخبر ، و { ذلك } : مبتدأ ، و { بأن } : خبر . يقول الحق جلّ جلاله : { الذين كفروا وصَدوا عن سبيل الله } أي : أعرضوا وامتنعوا عن الدخول في الإسلام ، أو صدُّوا غيرهم عنه . قال الجوهري : صدّ عنه ، يَصِدّ ، صُدُوداً : أعْرَض ، وصدَّهُ عن الأمر صَدّاً ، مَنَعَه ، وصَرَفه عنه . هـ . وهم المطعمون يوم بدر ، أو : أهل الكتاب ، كانوا يصدون مَن أراد الدخول في الإسلام ، منهم ومن غيرهم ، أو عام في كل مَن كفر وصدّ ، فهؤلاء { أضلَّ أعمالهم } أي : أحبطها وأبطلها ، أي : جعلها ضالة ضائعة ، ليس لها مَن يتقبلها ويُثيب عليها ، كضالة الإبل . وليس المعنى أنه أبطلها بعد أن لم تكن كذلك ، بل بمعنى : أنه حكم ببطلانها وضياعها ، فإنَّ ما كانوا يعملونه من أعمال البر ، كصِلة الأرحام ، وقِرى الضيف ، وفك الأسارى ، وغيرها من المكارم ، ليس لها أثر من أصلها لعدم الإيمان ، أو : أبطل ما عملوا من الكيد برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصد عن سبيله ، بنصر رسوله ، وإظهار دينه على الدين كله ، وهو الأوفق بقوله : { فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 8 ] . { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } قيل : هم ناس من قريش ، وقيل : من الأنصار ، وقيل : مَن آمن مِن أهل الكتاب ، والمختار أنه عام ، { وآمَنوا بما نُزِّل على محمد } صلى الله عليه وسلم ، وهو القرآن ، وخُصّ بالذكر من بين ما يجب الإيمان به تنويهاً بشأنه ، وتنبيهاً على سُمو مكانه من بين ما يجب الإيمان به ، وأنه الأصل في الكل ولذلك أكّده بقوله : { وهو الحق من ربهم } أي : القرآن : لكونه ناسخاً لغيره من الكتب ، وقيل : دين محمد صلى الله عليه وسلم إذ لا يرد عليه النسخ ، وهو ناسخ لسائر الأديان ، { كفَّر عنهم سيئاتهم } أي : ستر بالإيمان والعمل الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها بالتوبة { وأصلح بالهم } أي : حالهم وشانهم ، بالتوفيق لأمور الدين ، وبالتسليط على الدنيا ، بما أعطاهم الله من النصرة والعزة والتمكين في البلاد . { ذلك بأن الذين كفروا اتَّبعوا الباطلَ وأنَّ الذين آمنوا اتَّبعوا الحق من ربهم } أي : ذلك الأمر ، وهو إضلال أعمال أهل الكفر ، وتفكير سيئات أهل الإيمان ، وإصلاح شأنهم كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطلَ وهو الشيطان ، حيث فعلوا ما فعلوا من الكفر والصد ، واتباع هؤلاء الحق ، وهو القرآن ، أو ما جاء به صلى الله عليه وسلم ، أو يراد بالباطل : الزائل الذاهب من الدّين الفاسد ، وبالحق : الدين الثابت ، أو يراد بالباطل : نفس الكفر والصد ، وبالحق : نفس الإيمان والأعمال الصالحة . { كذلك } أي : مثل الضرب البديع { يضرب اللّهُ } أي : يُبين { للناس أمثالهم } أي : أحوال الفريقين ، وأوصافهما ، الجارية في الغرابة مجرى الأمثال ، وهو اتباع الأولين الباطلَ ، وخيبتهم وخسرانهم ، واتباع الآخرين الحقَّ ، وفوزهم وفلاحهم ، والضمير راجع إل الناس ، أو إلى المذكورين من الفريقين ، على معنى : أنه يضربُ أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم ، وقد جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكافرين ، واتباع الحق مثلاً لعمل المؤمنين ، أو جعل الإضلال مثلاً لخيبة الكفار ، وتكفير السيئات مثلاً لفوز الأبرار . الإشارة : الذين كفروا بوجود الخصوصية ، وصدُّوا الناسَ عنها أبطل سيرهم إليه ، فكلما ساروا رجعوا ، والذين آمنوا الإيمان الكامل واتعبوا السنّة النبوية ، ستر مساوئهم ، وأصلح شأنهم ، حتى صلحوا لحضرته . قال القشيري : الذين كفروا : امتنعوا ، وصدُّوا : مَنَعوا ، فلامتناعهم عن الله استوجبوا العقوبة ، ولمنعهم الخلق عن الله استوجبوا الحَجْبَةَ . ثم قال في قوله : { وأصلح بالهم } فالكفر للأعمال مُحْبطٌ ، والإيمان للخلود مُسْقِط ، ويقال : الذين اشتغلوا بطاعة الله ، ولم يعملوا شيئاً مما خالف اللّهَ - فلا محالة - يقوم الله بكفاية أشغالهم . هـ . وقوله تعالى : { ذلك بأنَّ الذين كفروا اتبعوا الباطل … } الآية ، قال الورتجبي : اتبع الكفرة ما وقع في مخايلهم ، من هواجس النفس ، ووساوس الشيطان ، ولا يقبلون طرائق الرشد من حيث الوحي والإلهام ، وأنَّ الذين صدقوا في دين الله ، وشاهدوا الله بالله ، واتبعوا سنّة رسوله وخطابه ، وما يقع في أسرارهم من النور والبيان ، والإلهام والكلام ، بنعت الإخلاص في طاعته ، والأدب في خدمته والإعراض عن غيره ، قال ابن عطاء : اتباع الباطل : ارتكاب الشهوات وأمالي النفس ، واتباع الحق : اتباع الأوامر والسنن . هـ . قال القشيري : اتباع الحق بموافقة السنة ، ومتابعة الجد في رعاية الحق وإيثار رضاه ، والقيام بالطاعة ، واتباع الباطل : الابتداع والعمل بالهوى ، وإيثار الحظوظ وارتكاب المعصية . هـ . ثم أقرَّ بجهاد مَن كفر وصَدَّ ، فقال : { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } .