Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 16-18)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { قل أتُعَلِّمون اللّهَ بدينِكم } أي : أتُخبرونه بذلك بقولكم آمنّا ؟ رُوي أنه لمّا نزل قوله : { قل لم تؤمنوا } جاؤوا يحلفون إنهم لصادقون فأكذبهم الله بقوله : { قل أتُعلمون … } الخ . والتعبير عنه بالتعليم لغاية تشنيعهم ، كأنهم وصفوه تعالى بالجهل . قال الهروي : و " علَّمت " و " أعلمت " في اللغة بمعنى واحد ، وفي القاموس : وعلّمه العلم تعليماً ، وأعلمه إياه فتعلّمه . هـ . { واللّهُ يعلمُ ما في السماوات وما في الأرض } فلا يحتاج إلى إعلام أحد ، وهو حال مؤكدة لتشنيعهم ، { واللّهُ بكل شيءٍ عليمٌ } أي : مبالغ في العلم بجميع الأشياء ، التي من جملتها ما أخفوه من الكفر عند أظهارهم الإيمان . { يمنُّون عليك أنْ أسْلَموا } أي : يعدون إسلامهم مِنّة عليك ، فـ " أن " نصب على نزع الخافض ، والمَنُّ : ذكر النعمة في وجه الافتخار . وقال النسفي : هو ذكر الأيادي تعريضاً للشكر ، ونهينا عنه . هـ . فانظره . { قل لا تمنُّوا عليَّ إِسلامَكم } أي : لا تعدوا إسلامكم منةً عليَّ ، فإنّ نفعَه قاصرٌ عليكم إن صح ، { بل الله يَمُنُّ عليكم } أي : المنة إنما هي لله عليكم { أنْ هداكم للإِيمان } أي : لأن هداكم ، أو : بأن هداكم للإيمان على زعمكم { إِن كنتم صادقين } في ادّعاء الإيمان ، إلاَّ أنكم تزعمون وتدعون ما الله عليم بخلافه . وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي : إن كنتم صادقين في ادعائكم الإيمان فللّه المنّة عليكم . وفي سياق النظم الكريم من اللُطف ما لا يخفى فإنهم لمّا سَموا ما في صدورهم إيماناً ، ومَنُّوا به ، نفى تعالى كونه إيماناً ، وسمّاه إسلاماً ، كأنه قيل : يمنون عليك بما هو في الحقيقة إسلام وليس بإيمان ، بل لو صحّ ادّعاؤهم للإيمان فللّه المنّة عليهم بالهداية إليه لا لهم . { إِنَّ اللّهَ يعلمُ غيبَ السماوات والأرض } أي : ما غاب فيهما ، { والله بصير بما تعملون } في سِركم وعلانيتكم ، وهذا بيان لكونهم غير صادقين في دعواهم ، يعني : الله تعالى يعلم كل مستتر في العالَم ، ويُبصر كل عمل تعملونه في سِركم وعلانتيكم ، لا يخفى عليه منه شيء ، فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم . قال الورتجبي : ليس لله غيب ، إذ الغيب شيء مستور ، وجميع الغيوب عِيان لله تعالى ، وكيف يغيب عنه وهو موجده ؟ ! يُبصرُ ببصره القديم ما كان وما لم يكن ، وهناك العلم والبصر واحد . هـ . قوله : " العلم والبصر واحداً " هذا على مذهب الصوفية في أن بصره يتعلق بالمعدوم ، كما يتعلق به العلم ، ومذهب علماء الكلام : أن متعلق البصر خاص بالموجودات ، فمتعلق العلم أوسع . وانظر حاشية الفاسي على الصغرى . الإشارة : كل مَن تمنى أن يعلم الناسُ ما عنده من العلم والسر يُقال له : أتُعلِّمون الله بدينكم ، والله يعلم ما في سموات القلوب والأرواح من السر واليقين ، وما في أرض النفوس من عدم القناعة بعلم الله ، والله بكل شيء عليم . وفي الحكم : " استشرافك أن يعلم الناس بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك " . وكل مَن غلب عليه الجهل حتى مَنَّ على شيخِه بصُحبته له ، أو بما أعطاه ، يقال في حقه : { يمنون عليك أن أسلموا … } الآية . وقوله تعالى : { والله بصير بما تعملون } قال القشيري : فمَن لاحَظَ شيئاً من أعماله وأحواله فإن رآها من نفسه كان شِركاً ، وإن رآها لنفسه كان مكراً ، وإن رآها من ربه بربه كان توحيداً . وفقنا الله لذلك بمنِّه وجوده . هـ . وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليماً .