Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 105-105)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { عليكم } : اسم فعل ، وفاعله مستتر فيه وجوبًا ، و { أنفسكم } : مفعول به على حذف مضاف أي : الزموا شأن أنفسكم . قاله الأزهري . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } : احفظوها والزموا صلاحها ، { لا يضرّكم مَن ضلّ إذا اهتديتم } أنتم ، أي : لا يضركم ضلال غيركم إذا كنتم مهتدين ومن الاهتداء أن ينكر المنكر حسب طاقته ، قال صلى الله عليه وسلم : " مَن رَأى مِنكُم مُنكَرًا ، واستطَاعَ أن يُغيِّره بَيدِه ، فَليغَيِّر ، فإنَّ لم يَستَطِع فَبِلسانِه ، فإن لم يَستَطعِ فَبقَلبِه " والآية نزلت حيث كان المؤمنون يحرصون على الكفرة ، ويتمنون إيمانهم ، وقيل : كان الرجل إذا أسلم قالوا له : سفهت آباءك ، فلاموه ، فنزلت . وعن أبي ثعلبة الخشني قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } ؟ فقال : " أئتِمَرُوا بالمَعرُوِفِ ، وانهوا عن المُنكَرِ ، فإذَا رَأيتَ دُنيا مُؤثَرةٍ ، وشُحًا مُطاعًا ، وإعجَابَ كُلِّ ذِي رأي بِرأيِه ، فَعَليكَ بخويصة نَفسِك ، وَذَر عوامَهم فإنّ وَراءكُم أيامًا ، العامِلُ فيها كأجرِ خَمسِينَ مِنكُم " . وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه بلغه أن بعض الناس تأول الآية على أنه لا يلزم معها أمر ولا نهي ، فصعد المنبر ، فقال : يا أيها الناس : لا تغتروا بقول الله تعالى : { عليكم أنفسكم } فيقول أحدكم : عليّ نفسي ، والله لتأمُرن بالمعروف ، ولتنهَوُنَّ عن المنكر أو ليستعملن عليكم شرارَكم فليسُومُنكم سوء العذاب . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ليس هذا بزمان هذه الآية ، قولوا الحق ما قُبِلَ منكم ، فإذا رُدّ عليكم فعليكم أنفسكم . قال ابن عطية : وجملة ما عليه أهل العلم في هذا : أن الأمر بالمعروف متعين متى رجى القبول ، أو رجى رد المظالم ، ولو بعُنف ، ما لم يخف الآمِرُ ضررًا يلحقه في خاصته ، أو فتنة يدخلها عن المسلمين ، إما بشق عصًا ، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس ، فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم ، حُكمٌ واجب أن يوقف عنده . هـ . ثم هدد مَن لم ينته ، فقال : { إلى الله مرجعكم جميعًا فَيُنَبِّئُكم بما كنتم تعملون } وفيه تنبيه على أن أحدًا لا يؤاخذ بذنب غيره ، وتسليةٌ عن أمور الدنيا مكروهها ومحبوبها ، بذكر الحشر وما بعده ، وعن بعض الصالحين أنه قال : ما من يوم إلا يجيئني الشيطان فيقول : ما تأكل ؟ وما تلبس ؟ وأين تسكن ؟ فأقول له : آكل الموت ، وألبس الكفن ، وأسكن القبور . هـ . الإشارة : في الآية إغراء وتحضيض على الاعتناء بإصلاح النفوس وتطهيرها من الرذائل ، وتحليتها بالفضائل ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } عليكم بإصلاح أنفسكم أولاً ، فإذا صلحت فأصلحوا غيركم ، فعلى العبد أن يشتغل بشأن نفسه ولا يلتفت إلى غيره ، حتى إذا كمل تطهيرُها ، وفرغ من تأديبها ، فإن أمره الحق جل جلاله بإصلاح غيره على لسان شيخ كامل ، أو هاتف حقيقي ، فليتقدم لذلك ، فإنه حينئٍذ محمول محفوظ مأذون ، وإلا فعليه بخاصة نفسه ، كما تقدم . والله تعالى أعلم . ولما جَرَى ذكر المرجع وما بعدها ، ولا يكون إلا بالموت ، ناسب أن يذكر الوصية ، التي من شأنها أن تكون عندها ، فقال : { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } .