Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 103-104)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : البحيرة : فعيلة بمعنى مفعولة ، من بَحَرَ ، إذا شق ، وذلك أن الناقة كانت إذا ولدت عندهم في الجاهلية عشرة أبطن ، شقوا أذنها ، وتركوها ترعى ، ولا ينتفع بها ، وأما السائبة فكان الرجل يقول : إذا قدمت من سفري ، أو برئت من مرضي ، فناقتي سائبة ، فإذا قدم أو برىء سيّبها لآلهتهم ، فلا تُحلَب ، ولا تُركب ، ولا تُمنَع من شجر ، وقد يُسَيّبُون غير الناقة ، فإذا سيّبوا العبد فلا يكون عليه ولاء لأحد ، وإن قال ذلك ، اليوم ، فحمله على العتق ، وولاؤه للمسلمين ، وفعل ذلك اليوم في الحيوان حرام ، كما يفعله جهلة النساء في الديك الأبيض يحرر حتى يموت ، فإذا فعل ذلك ذبح وأكل . وأما الوصيلة : فكانوا إذا ولدت الناقة ذكرًا وأنثى متصلين ، قالوا : وصلت الناقة أخاها ، فلم يذبحوها ، وأما الحام : فكانوا إذا نتج من الجمل عشرة أبطن ، قالوا : قد حُمي ظهرُه ، فلا يُركب ولا يُحمل عليه . يقول الحقّ جلّ جلال : في إبطال هذه الأشياء : { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام } أي : ما شرع الله شيئًا من ذلك ، ولا أمر به ، { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } بتحريم ذلك ، ونسبته إليه ، { وأكثرهم لا يعقلون } ، أي : جُلهم لا عقل لهم ، بل هم مقلدون غيرهم في تحريم ذلك ، وتقليد الآباء والرؤساء في تحريم ما أحل الله تعالى شرك لأنهم نَزَّلَوا غير الله منزلته في التحريم والتحليل ، وهو كفر ، { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول } من الحلال والحرام ، { قالوا حسبنا } أي : يكفينا { ما وجدنا عليه آباءنا } ، وهذا بيان لقصور عقولهم وانهماكهم في التقليد ، قال تعالى : أيتبعونهم { ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون } سبيلاً . قال البيضاوي : الواو للحال ، والهمزة دخلت عليها لإنكار الفعل على هذه الحال ، أي : أحسَبُهم ما وجدوا عليه آباءهم ولو كانوا جهلة ضالين ؟ والمعنى : أن الاقتداء إنما يصح لمن عُلِمَ أنه عالم مهتد ، وذلك لا يعرف إلا بالحجة ، فلا يكفي التقليد . هـ . الإشارة : قد نفى الله تعالى الخصوصية عن أربعة أنفس من أنفس المدعين ، منها : نفس دخلت بحر الحقيقة بالعلم ، وتبحرت في علمها دون الحال والذوق ، وأهملت مراسم الشريعة حتى سقطت هيبتها من قلبها ، فانسل منها الإيمان والإسلام انسلال الشعرة من العجين . ومنها نفس سائبة أهملت المجاهدة وانسابت في الغفلة ، وأخذت الولاية بالوراثة من أسلافها ، دعوى ، أو ظهرت عليها خوارق ، استدراجًا ، مع إصرارها على كبائر العيوب ، ومنها : نفس وصلت إلى الأولياء وصحبتهم ، وخرجت عنهم قبل كمال التربية ، وتصدرت للشيخوخة قبل إبانها ، ومنها : نفس حمت ظهرها من التجريد ، ووفرت جاهها مع العبيد ، وادعت كمال التوحيد وأسرار التفريد ، لمجرد مطالعة الأوراق ، من غير صحبة أهل الأذواق ، وهؤلاء بعداء من حيث يظنون القرب ، مردودون من حيث يظنون القبول ، والعياذ بالله من الدعوى وغلبة الهوى ، فإذا قيل لهؤلاء : تعالوا إلى من يعرفكم بربكم ، ويخرجكم من سجن نفوسكم ، قالوا : نتبع ما وجدنا عليه أسلافنا ، فيقال لهم : أتتبعونهم ولو كانوا جاهلين بالله ؟ . ثم نهى الله تعالى أهل التحقيق عن التعرض لمثل هؤلاء بعد نصحهم ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } .