Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 116-120)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { من دون الله } : صفة لإلهين ، أو صلة { اتخذوني } ، و { أن أعبدوا } : تفسيرية للمأمور به ، أو بدل من ضمير به ، وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقًا لئلا يلزم منه بقاء الموصول بلا راجع ، أو عطف بيان له ، أو خبر عن مضمر ، أي : هو ، أو معفول به ، أي : أعني ، ولا يجوز إبداله من { ما } لأن المصدر لا يكون مفعولاً للقول لأنه مفرد ، والقول لا يعمل إلا في الجمل أو ما في معناه . { يوم ينفع } من نصب جعله ظرفًا لقال ، أو ظرف ، مستقر خبرِ { هذا } والمعنى : هذا الذي مَرّ من كلام عيسى ، واقع يوم ينفع ، الخ ، وأجاز ابن مالك أن يكون مبنيًّا ، قال في ألفيته : @ وقَبل فَعل مُعَرب أو مُبتَدا أعرِب ، ومَن بَنَا فَلَن يُفَنَّدَا @@ ومَن رفع ، فخبر ، وهو ظرف متصرف . يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكر { إذ قال الله يا عيسى } بعد رفعه إلى السماء ، أو يقول له يوم القيامة ، وهو الصحيح ، بدليل قوله : { قال الله هذا } الخ ، فإن اليوم الذي { ينفع الصادقين صدقهم } هو يوم القيامة ، فيقول له حينئذٍ : { أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } يريد به توبيخ الكفار الذين عبدوه وتبكيتهم ، وفيه تنبيه على أن من عبد مع الله غيره فكأنه لم يعبد الله قط ، إذ لا عبرة بعبادة من أشرك معه غيره . { قال } عيسى عليه السلام مبرءًا نفسه من ذلك وقد أرعد من الهيبة : { سبحانك } أي : تنزيهًا لك من أن يكون لك شريك ، { ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } أي : ما ينبغي لي أن أقول ما لا يجوز لي أن أقوله ، { إن كنتُ قُلتُه فقد علمته } ، وكَلَ العلم إلى الله لتظهر براءته ، لأن الله علم أنه لم يقل ذلك ، { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } أي : تعلم ما أخفيته في نفسي ، كما تعلم ما أعلنته ، ولا أعلم ما تخفيه ، من معلوماتك ، سلك في اللفظ مسلك المشاكلة ، فعبّر بالنفس عن الذات . { إنك أنت علاّم الغيوب } لا يخفى عليك شيء من الأقوال والأفعال . { ما قُلتُ لهم إلا ما أمرتني به } وهو عبادة الله وحده ، فقلت لهم : { اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدًا } أي : رقيبًا عليهم ، أمنعهم أن يقولوا ذلك أو يعتقدوه . { ما دمتُ فيهم فلما توفيتني } بالرفع إلى السماء ، أي : توفيت أجلي من الأرض . والتوفي أخذ الشيء وافيًا ، فلما رفعتني إلى السماء { كنت أنت الرقيب عليهم } أي : المراقب لأحوالهم { وأنت على كل شيء شهيد } : مطّلع عليه مراقب له . { إن تعذبهم فأنهم عبادك } وأنت مالك لهم ، ولا اعتراض على المالك في ملكه ، وفيه تنبيه على أنهم استحقوا العذاب ، أي : لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك ، { وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ، فلا عجز ولا استقباح ، فإنك القادر والقوي على الثواب والعقاب بلا سبب ، ولا تُعاقب إلا عن حكمة وصواب ، فإن عذبت فعدل ، وإن غفرت ففضل ، وعدم غفران الشرك مقتضى الوعيد ، فلا امتناع فيه لذاته ليمتنع الترديد والتعليق بإن . قاله البيضاوي . وقال ابن جزي : فيه سؤالان : الأول : كيف قال : { وإن تغفر لهم } وهم كفار ، والكفار لا يغفر لهم ؟ فالجواب : أن المعنى تسليم الأمر إلى الله ، وإنه إن عذب أو غفر فلا اعتراض عليه لأن الخلق عباده ، والمالك يفعل ما يشاء ، ولا يلزم من هذا وقوع المغفرة للكفار ، وإنما يقتضي جوازها في حكمة الله وعزته ، وفَرقٌ بين الجواز والوقوع ، وأما على قول من قال : إن هذا الخطاب وقع لعيسى عليه السلام حين رفعه الله إلى السماء فلا إشكال ، لأن المعنى : إن لم تغفر بهم التوبة ، وكانوا حينئذٍ أحياء ، وكل حيّ مُعرض للتوبة . السؤال الثاني : ما مناسبة قوله : { العزيز الحكيم } لقوله : { وإن تغفر لهم } ، والأليق إن قال : فإنك أنت الغفور الرحيم ؟ فالجواب : أنه لما قصد التسليم له والتعظيم ، كان قوله : { فإنك أنت العزيز الحكيم } أليق ، فإن الحكمة تقتضي التسليم ، والعزة تقتضي التعظيم ، فإن العزيز هو الذي يفعل ما يريد ، ولا يغلبه غيره ، ولا يمتنع عليه شيء أراده ، فاقتضى الكلام تفويض الأمر إلى الله في المغفرة لهم أو عدمها لأنه قادر على كلا الأمرين لعزته ، وأيهما فعل فهو جميل لحكمته . وقال أبو جعفر بن الزبير : إنما لم يقل الغفور الرحيم لئلا يكون شفيعًا لهم بطلب المغفرة ، فاقتصر على التسليم والتفويض ، دون الطلب ، إذ لا نصيب في المغفرة للكفار . انظر بقية كلامه . قال التفتازاني : ذكر المغفرة ، يوُهم أن الفاصلة : { الغفور الرحيم } ، لكن يُعرف بعد التأمل أن الواجب هو العزيز الحكيم لأنه لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه ، وهو العزيز ، أي : الغالب ، ثم وجب أن يوصف بالحكمة على سبيل الاحتراس لئلا يتوهم أنه خارج عن الحكمة . هـ . قال الله تعالى : { هذا } أي : يوم القيامة { يوم ينفع الصادقين صدقهم } أي : هنا ينتفع الصادقون في الدنيا بصدقهم ، ويفتضح الكاذبون على الله بكذبهم . والمراد بالصادقين أهل التوحيد ، الذين نزهوا الله تعالى عما لا يليق بجلاله وجماله ، فصدقوا فيما وصفوا به ربهم . ثم ذكر ما وعدهم به ، فقال : { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا رضي الله عنهم ورضوا عنه } حيث رضوا بأحكامه القهرية والتكليفية ، { ذلك الفوز العظيم لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير } ، وهذا تنبيه على تكذيب النصارى ، وفساد دعواهم في المسيح وأمه ، وإنما لم يقل : ومن فيهن ، تغليبًا لغير العقلاء ، وإنما غلبَ غير أولى العقل للإعلام بأنهم في غاية القصور عن معنى الربوبية ، وإهانة لهم وتنبيهًا على أنهم جنس واحد ، فمن يعقل منهم لقصور عقله ونظره كمن لا يعقل ، فيبعد استحقاقهم للألوهية التي تنبىء عن تمام الحكمة وإحاطة العلم . والله تعالى أعلم . الإشارة : كل من صَدّر نفسه للشيخوخة من غير إذن ، وأشار إلى تعظيمه بلسان الحال أو المقال يَلحَقُهُ العتاب يوم القيامة فيقال له : أأنت قلت للناس عظموني من دون الله ؟ فإن كان مقصوده بالأمر بالتعظيم الوصول إلى تعظيم الحق تعالى ، والأدب معه في الحضرة دون الوقوف مع الواسطة ، وبذل جهده في توصيل المريدين إلى هذا المقام ، يقول : سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ، إلى تمام ما قال السيد عيسى عليه السلام ، فيقال له : { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } . وإن كان مقصوده بالتصدّر للتعظيم والآمر به ، حظ نفسه ، وفَرَح بتربية جاهه والإقبال عليه ، افتضح وأُهين بما افتضح به الكاذبون المدعون . نسأل الله تعالى الحفظ والرعاية بمنِّه وكرمه ، وسيدنا محمد رسوله ونبيّه صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه وسلم ـ .