Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 1-1)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ … } أي : بالعهود التي عَهِدْتُ إليكم أن تحفظوها ، وهي حفظ الأموال ، وحفظ الأنساب ، وحفظ الأديان ، وحفظ الأبدان ، وحفظ اللسان ، وحفظ الأيمان ، ثم مرَّ معها على الترتيب ، فما ذكره هناك مُستوفَى ، لم يُعِدْ منه هنا إلا أصله ، وما بقي هناك في أصل من الأصول الستّة كمّلهُ هنا ، ولمّا ذكر فيما تقدّم في أول السورة حُكْم الأموال باعتبار المِلك ، ولم يتكلم على ما يحلّ منها وما يحرم ، تكلم هنا على ذلك ، فقال : { … أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } قلت : إضافة { بهيمة الأنعام } : للبيان ، كثوب خزّ ، إي : البهيمة من الأنعام ، و { غير مُحِلِّي الصيد } : حال ، قال الأخفش : من فاعل { أوفوا } ، وفيه معنى النّهي ، وقال الكسائي : من ضمير { لكم } كما تقول : أُحِلّ لكم الطعام غير مُفسِدين فيه ، فإن قُلتَ : الحال قيد لعامِلها ، والحِلِّيَّة غير خاصّة بوقت حُرمَة الصيد ؟ قلت : لمّا كانت الحاجة إليها في ذلك الوقت أكثر ، خصّ الحِلِّيَّة به ليكون أدعى للشكر ، ويؤخَذ عموم الحِلِّيَّة من سورة الحج . يقول الحقّ جلّ جلاله : { أُحِلَّت لكم بهيمة الأنعام } أي : الأنعام كلها ، وهي الإبل والبقر والغنم ، { إلا ما يُتلَى عليكم } بعدُ في قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ … } [ المَائدة : 3 ] الآية ، حال كونكم { غير مُحِلِّي الصيد } في حال الإحرام ، ومعنى الآية في الجملة : أُحِلَّت الأنعام كلها إلا ما يُتلى عليكم من الميتة وأخواتها ، لكن الصيد في حال الإحرام حرام عليكم ، { إن الله يحكم ما يريد } من تحليل أو تحريم . الإشارة : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدتموها على نفوسكم في حال سيركم إلى حضرة ربَكم ، من مجاهدة ومُكابَدة ، فمَن عقد عقدة مع ربّه فلا يحلّها ، فإن النفس إذا استأنست بحلّ العقود لم ترتبط بحال ، ولعبت بصاحبها كيف شاءت ، وأوفوا بالعقود التي عقدتموها مع أشياخكمْ بالاستماع والاتّباع إلى مماتكم ، وأوفوا بالعقود التي عقدها عليكم الحق تعالى ، من القيام بوظائف العبودية ، ودوام مشاهدة عظمة الربوبية ، فإن أوفيتم بذلك ، فقد أُحِلَّت لكم الأشياء كلها تتصرّفون فيها بهِمّتكم لأنكم إذا كنتم مع المُكَوِّن كانت الأكوان معكم . إلا ما يُتلَى عليكم مما ليس من مقدوركم مما أحاطت به أسوار الأقدار ، " فإن سوابق الهِمَم لا تخرق أسوار الأقدار " ، غير مُتَعَرِّضين لشهود السّوى وأنتم في حرم حضرة المولى ، والله تعالى أعلم . ولما نهى عن التعرض للصيد في الحرم ، نهى عن تغيير المناسك والتعرض للحُجَّاج لأنه بينْ تعظيم حرمة الحرم ، فقال : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } .