Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الشعائر : جمع شَعيرة ، وهي اسم ما أشعر ، أي : جعل علامة على مناسك الحج ومواقفه و { لا يجرمنّكم } أي : يحملنّكم ، أو يكسبنّكم ، يُقال : جرم فلان فلانًا هذا الأمر ، إذا أكسبه إيّاه وحمله عليه . والشنآن : هو البغض والحقد ، يقال : بفتح النون وإسكانها ، و { أن صدّوكم } مفعول من أجله ، و { أن تعتدوا } مفعول ثانٍ ليحرمنّكم . ومَن قرأ : إن صدّوكم ، بالكسر فشرط ، أغنى عن جوابه : { لا يجرمنّكم } . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تُحِلّوا شعائر الله } أي : لا تستحلّوا شيئًا من ترك المناسك ، وذلك أن الأنصار كانوا لا يسعون بين الصفا والمروة ، وكان أهل مكة لا يخرجون إلى عرفات ، وكان أهل اليمن يرجعون من عرفات ، فأمرهم الله ألاّ يتركوا شيئًا من المناسك ، أي : لا تحلّوا ترك شعائر الله { ولا } تحلّوا { الشهر الحرام } بالقتال أو السَّبْي ، وهذا قبل النسخ ، { ولا } تحلّوا { الهَدْيَ } ، أي : ما أُهْدِيَ إلى الكعبة ، فلا تتعرّضوا له ولو من كافر ، { ولا } تحلّوا { القلائد } أي : ذوات القلائد ، وهي الهَدْي المقلّدة ، وعطفها على الهَدْي للاختصاص فإنها أشرف الهَدْي ، أي لا تتعرضوا للهَدْي مطلقًا . والقلائد جمع قِلادة ، وهي : ما قُلِّدَ به الهَدْي من نَعْل أو لِحاء الشجر ، أو غيرهما ، ليُعلَم به أنه هَدْي فلا يُتَعَرَّض له ، { ولا } تحلّوا { آمِّين } أي : قاصِدين البيت الحرام ، أي : قاصدين لزيارته ، { يبتغون فضلاً من ربّهم ورضوانًا } أي : يطلبون رزقًا بالتجارة التي قصدوها ، ورضوانًا بزعمهم ، لأنهم كانوا كُفّارًا . وذلك ، أن الآية نزلت في الحُطَم بن ضُبَيْعة ، وذلك أنه أتى المدينة ، فخلَّف خَيْلَه خَارجَ المدِينةَ ، ودخل وحْدَه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال : إلامَ تدعُو النَّاس إليه ؟ فقال له : " إلى شَهادة أنْ لا إله إلا اللهُ وإقَام الصَّلاةِ وإيتَاءِ الزَّكاة " فقال : حَسَنٌ ، إلاّ أن لي أُمَرَاءَ لا أقطعُ أمْرًا دُونَهُمْ ، ولَعَلَّي أُسْلِم ، فخرج وغار على سَرْحِ المدينة فاسْتَاقَهُ ، فما كان في العام المقبل خرج حاجًا مع أهل اليمامة ، ومعه تجارة عظيمة ، وقد قلّد الهَدْيَ ، فقال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم : هذا الحُطَمُ قد خرج حاجًا فخَلِّ بيننا وبينه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنه قلّد الهَدْيَ " ، فقالوا يا رسول الله : هذا شيء كنّا نفعله في الجاهلية أي تقيه ـ ، فأبى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية . وقال ابن عباس : كان المشركون يحجّون ويهدون ، فأرادَ المسلمون أن يُغِيرُوا عليهم ، فنهاهم الله تعالى بالآية . { وإذا حللتم } من الحج والعمرة { فاصطادوا } ، أمْر إباحة لأنه وقع بعد الحَظْر ، { ولا يجرمنّكم } أي : لا يحملنّكم ، أو لا يكسبنّكم { شنآن قوم } أي : شدّة بغضكم لهم لأجل { أن صدّوكم عن المسجد الحرام } عام الحديبية { أن تعتدوا } بالانتقام منهم بأن تحلّوا هداياهم وتتعرّضوا لهم في الحرم . قال ابن جزيّ : نزلت عام الفتح حين ظفر المسلمون بأهل مكة ، فأرادوا أن يستأصلوهم بالقتل لأنهم كانوا قد صدّوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية ، فنهاهم الله عن قتلهم لأن الله عَلِمَ أنهم يؤمنون . هـ . ثم نسخ ذلك بقوله : { فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبَة : 5 ] . ثم قال تعالى : { وتعاونوا على البرّ والتقوى } كالعفو ، والإغضاء ، ومتابعة الأمر ، ومُجانَبة الهوى . وقال ابن جزيّ : وصية عامّة ، والفرق بين البرّ والتقوى أن البرّ عامّ في الواجبات والمندوبات ، فالبرّ أعمّ من التقوى . هـ . { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } كالتشفّي والانتقام . قال ابن جُزَيّ : الإثم : كل ذنب بين الله وعبده ، والعدوان : على الناس . هـ . { واتقوا الله إن الله شديد العقاب } فانتقامه أشد . الإشارة : قد أمر الحق جلّ جلاله بتعظيم عباده ، وحِفظ حُرمتهم كيفما كانوا ، " فالخلق كلّهم عِيال الله ، وأحبّ الخلقِ إلى اللهِ أنفعُهُمْ لِعِياله " ، فيجب على العبد كفّ أذاه عنهم وحمل الجفا منهم ، وألاَّ ينتقم لنفسه ممَّن آذاه منهم ، ولا يحمله ما أصابه منهم على أن يعتدي عليهم ولو بالدعاء ، بل إن وسَّع الله صدره بالمعرفة قابلهم بالإحسان ، ودعا لعدوّه بصلاح حاله حتى يأخذ الله بيده ، وهذا مقام الصّديقيَة العظمى والولاية الكبرى ، وهذا غاية البرّ والتقوى الذي أمر الله تعالى بالتعاون عليه ، والاجتماع إليه ، دون الاجتماع على الإثم والعدوان ، وهو الانتصار للنفس والانتقام من الأعداء ، فإن هذا من شأن العوامّ ، الذين هم في طرف مقام الإسلام . والله تعالى أعلم . ثمَّ بيَّن ما وعد به في قوله : { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } ، فقال : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } .