Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 20-20)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } اذكر { إذ قال موسى لقومه } : يا بني إسرائيل { اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء } يسُوسُونكم ، كلما مات نبي خلفه نبي ، فقد شرفكم بهم دون غيركم ، إذ لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء ، { وجعلكم ملوكًا } أي : جعل منكم ملوكًا ، وقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء ، فكان كل نبي معه ملك ينفذ أحكامه ، فكانت دار النبوة ودار المملكة معلومة ، يخلف بعضهم بعضًا في النبوة والمُلك ، استمر ذلك لهم ، حتى قتلوا يحيى ، وهموا بقتل عيسى ، فنزع الله منهم الملك ، وأنزل عليهم الذل والهوان . وقيل : لمّا كانوا مملوكين في أيدي القبط ، فأنقذهم الله وجعلهم مالكين لأنفسهم ، سماهم ملوكًا . { وآتاكم ما لم يُؤت أحدًا من العالمين } من فلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى ، ونحوها ، أو المراد عالمي زمانهم ، وعن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كَانَ بنو إسرَائيل إذا كَانَ لأحَدِهم خَادِمٌ وامرَأة يُكتَب مَلِكًا " وقال ابن عباس : من كان له بيت وخادم وامراة فهو مَلِك ، وعن أبي الدرداء قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَن أصبَحَ مُعَافّى في بَدَنِه ، آمنًا في سِربِه ، عِندَه قُوتُ يَومِه ، فكأنما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها ، يكفيكَ منها ، يا ابنَ آدم ، ما سَدَّ جوعَتَكَ ، وَوَارَ عَورَتك ، فإن كان بيتٌ يُوارِيك فذاك ، وإن كانت دابة فبخ بخ ، فلق الخبز ، وماء الجر وما فَوق الإزار حِسَابٌ عليك " . وقال الضحاك : كانت منازلهم واسعة ، فيها مياه جارية ، فمن كان مسكنه واسعًا وفيه ماء جارٍ ، فهو ملك . وقال قتادة : كانوا أول من ملك الخدم ، وأول من سخر لهم الخدم من بني آدم . هـ . الإشارة : كل من رزقه الله من يأخذ بيده ومن يستعين به على ذكر ربه ، فليذكر نعمة الله عليه ، فقد أسبغ الله عليه نعمه ظاهرة وباطنة . وكل من ملك نفسه وهواه ، وأغناه الله عما سواه ، فهو ملك من الملوك . وكل من خرجت فكرته عن دائرة الأكوان ، واتصل بفضاء الشهود والعيان ، فقد آتاه الله ما لم يؤت أحدًا من العالمين . وقد كُنتُ ذات يوم جالسًا في الجامع الأعظم من مدينة تطوان ، فانتبهتُ فإذا مصحف إلى جنبي ، فقال لي الهاتف : انظر تجد مقامك ، فأعرضت عنه ، فأعاد عليَّ الهاتف ثلاث مرات ، فرفعته ، ونظرت ، فإذا في أول الورقة : { وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين } ، فحمدت الله تعالى وأثنيت عليه . ثم أمرهم بجهاد عدوهم ، فقال : { يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ } .