Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 45-45)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : من نصب الجميع : فَعَطَفٌ على النفس ، و { قصاص } : خبر إن ، ومن رفع العين : فيحتمل أن يكون مستأنفًا مرفوعًا بالابتداء ، و { قصاص } : خبر ، من عطف الجمل ، أو يكون عطفًا على موضع النفس لأن المعنى : قلنا لهم : النفس بالنفس ، أو على الضمير المستكن في الخبر ، ومن رفع الجروح فقط ، فعلى ما تقدم في العين . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وكتبنا } على بني إسرائيل ، أي : فرضنا وألزمنا عليهم في التوراة { أن النفس } تقتل بالنفس في القتل العمد إن كان المقتول مسلمًا حرًا ، فلا يقتل مسلم بكافر إلا إن قتله غيلة ، ولا حر بعبد ، للحديث ، { والعينَ } تُفقأ { بالعين } ، { والأنفَ } تُجدع { بالأنفِ } ، { والأُذنَ } تُصلم { بالأُذنِ } ، { والسِّن } تُقلع { بالسن } ، { والجروح قصاص } يقتص من الجارح بمثل ما فَعل ، إلا ما يخاف منه كالمأمومة ، والجائفة ، وكسر الفخذ ، فيعطي الدية ، { فمن تصدق به } أي : بالدم ، بأن عَفى عن الجارح أو القاتل فلم يقتص ، { فهو كفّارة له } أي للمقتول ، يغفر الله ذنوبه ويعظم أجره ، أو كفارة للقاتل أو الجارح ، يعفو الله بذلك عن القاتل لأن صاحب الحق قد عفا عنه ، أو كفارة للعافي لأنه مسامح في حقه ، أو من تصدق بنفسه ومكنها من القصاص فهو كفارة له ، اقتص منه أو عُفي عنه . وفيه دليل على أن الحدود مكفرة لا زواجر ، وزعم ابن العربي : أن المقتول يُطالب يوم القيامة ، ولو قتل في الدنيا قصاصًا لأنه لم يتحصل للمقتول من قتل قاتله شيء ، وأن القصاص إنما هو ردع ، وأجيب بمنع أنه لم يتحصل له شيء ، بل حصلت له الشهادة وتكفير لذنوبه ، كما في الحديث : " السيف محاء للخطايا " ولو كان القصاص للردع خاصة لم يشرع العفو ، قاله ابن حجر ، وفي حديث البخاري : " من أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا ، فهو كفارة له ، وإن ستره الله فهو في المشيئة " . { ومن لم يحكم بما أنزل الله } من القصاص وغيره { فأولئك هم الظالمون } المتجاوزون حدود الله ، وما كتب الله على بني إسرائيل هو أيضًا مكتوب علينا ، لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ ، ولا ناسخ هنا ، بل قررته السنة والإجماع . والله تعالى أعلم . الإشارة : القصاص مشروع وهو من حقوق النفس لأنها تطلبه تشفيًا وغيظًا ، والعفو مطلوب ومرغب فيه ، وهو من حقوق الله ، هو طالبه منك ، وأين ما تطلبه لنفسك مما هو طالبه منك ؟ ومن شأن الصوفية الأخذ بالعزائم ، واتباع أحسن المذاهب ، قال تعالى : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [ الزُّمَر : 18 ] ، ومن شأنهم أيضًا : الغيبة عن حظوظ النفس ، ولذلك قالوا : الصوفي دمه هدر ، وماله مباح ، وقالو أيضًا : الصوفي كالأرض ، يُطرح عليها كل قبيح ، وهي تُنبت كلَّ مليح ، ومن أوكد الأمور عندهم عدم الانتصار لأنفسهم . وبالله التوفيق . ولما فرغ من الكلام مع اليهود شرَعَ يتكلم مع النصارى ، فقال : { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } .