Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 51-53)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { يقول الذين آمنوا } قرىء بغير واو استئنافًا ، وكأنه جواب عن سؤال ، أي : ماذا يقول المؤمنون حينئٍذ ؟ فقال : يقول … الخ ، وقرىء بالواو والرفع عطف جملة على جملة ، وقرىء بالواو والنصب عطف على { فيصبحوا } أو { يأتي } . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } تنتصرون بهم ، أو تعاشرونهم معاشرة الأحباب ، أو تتوددون إليهم ، وأما معاملتهم من غير مودة فلا بأس ، ثم علل النهي عن موالاتهم فقال : هم { بعضهم أولياء بعض } أي : لأنهم متفقون على خلافكم ، يوالي بعضهم بعضًا لا تحادهم في الدين ، وإجماعهم على مضادتكم ، { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } أي : من والاهم منكم فإنه من جملتهم . قال البيضاوي : وهذا تشديد في وجوب مجانبتهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم " المؤمنُ والمشركُ لا تَتَراءى نَارهَمَا " أو لأن الموالين لهم كانوا منافقين . هـ . وقال ابن عطية : من تولهم بمعتقده ودينه فهو منهم في الكفر واستحقاق النقمة والخلود في النار ، ومن تولاهم بأفعاله من العَضد ونحوه ، دون معتقد ولا إخلال بإيمان ، فهو منهم في المقت والمذمة الواقعة عليهم وعليه . هـ . وسُئل ابن سيرين عن رجل أراد بيع داره للنصارى يتخذونها كنيسة ، فتلا هذه الآية : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } . هـ . وفي أبي الحسن الصغير : أن بيع غير السلاح للعدو الكافر فسق ، وبيع السلاح له كفر . قلت : ولعله إذا قصد تقويتهم على حرب المسلمين ، وأما الفداء بالسلاح إذا لم يقبلوا غيره ، فيجوز في القليل دون الكثير ، وأجازه سحنون مطلقاً ، إذا لم يرج فداؤه بالمال . انظر الحاشية . { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } أي : ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار . { فترى الذين في قلوبهم مرض } وهم المنافقون ، { يسارعون فيهم } أي : في موالاتهم ومناصرتهم ، { يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة } أي : يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم دائرة من الدوائر ، بأن ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار . رُوِي أن عبادة بن الصامت قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لي موالي من اليهود ، كثير عددهم ، وإني أبرأُ إلى الله ورسوله من ولايتهم ، فقال ابن أبي : إني امرؤ أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية موالي ، فنزلت الآية ، قال تعالى ردًا عليه : { فعسى الله أن يأتي بالفتح } لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وإظهار المسلمين ونصرهم ، { أو أمر من عنده } ، يقطع شأفة اليهود ، من القتل والإجلاء ، { فيُصبحوا } أي : هؤلاء المنافقون ، { على ما أسروا في أنفسهم } من الكفر والنفاق ، ومن مظاهرة اليهود { نادمين } . { ويقول الذين آمنوا } حينئٍذ أي : حين فتح الله على رسوله وفضح سريرة المنافقين ـ : { أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم } ، يقولهُ المؤمنون بعضهم لبعض ، تعجبًا من حال المنافقين وتبجحًا بما منَّ الله عليهم من الإخلاص ، أو يقولونه لليهود لأن المنافقين حلفوا لهم بالمناصرة ، كما حكى تعالى عنهم { وَإٍن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَكُمْ } [ الحَشر : 11 ] قاله البيضاوي . وقوله : { حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين } . يحتمل أن يكون من كلام المؤمنين ، أو من قول الله تعالى ، شهادة عليهم بحبوط أعمالهم ، وفيه معنى التعجب ، كأنه قال : ما أحبط أعمالهم وما أخسرهم ! والله تعالى أعلم . الإشارة : قد تقدم مرارًا النهيُ عن موالاة الغافلين ، وخصوصًا الفجار منهم ، ويلتحق بهم القراء المداهنون وهم فسقة الطلبة الذين هم على سبيل الشيطان ، والفقراء الجاهلون وهم من لا شيخ لهم يصلح للتربية ، والعلماء المتجمدون ، فصحبة هؤلاء تقدح في صفاء البصيرة ، وتخمد نور السريرة ، وكل من تراه من الفقراء يميل إلى هؤلاء خشية الدوائر ، ففيه نزعة من المنافقين . والله تعالى أعلم . ثم تكلم بقية حفظ الإيمان ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } .