Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 89-89)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { في أيمانكم } : يتعلق باللغو ، أو بيؤاخذكم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { لا يُواخذكم الله باللغو في أيمانكم } وهو ما يصدر من الإنسان بلا قصد ، كقوله : لا والله ، وبلى والله . وإليه ذهب الشافعي ، وقيل : هو الحلف على ما يظن أنه كذلك ولم يكن ، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة ، { ولكن يُؤاخذكم بما عقدتم الإيمان } عليه ، أي : بما جزمتم عليه بالنية والقصد ، { فكفارته } أي : ما عقدتم عليه إذا حلفتم ، ويجوز التكفير قبل الحنث لظاهر الآية . ثم بيَّن الكفارة ، فقال : { إطعام عشرة مساكين } ، فمن أطعم غنيًا لم تجزه ، واشترط مالك أن يكونوا أحرارًا ، وليس في الآية ما يدل على ذلك ، ثم بيَّن نوعه فقال : { من أوسط ما تُطعمون أهليكم } أي : من وسط طعام أهليكم في القدر أو في الصفة ، أما القدر فقال مالك : يطعم مُدًا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في المدينة المشرفة ، وفي غيرها وسط من الشبع ، وقال الشافعي وابن القاسم : يجزىء المُد في كل مكان ، وقال أبو حنيفة : إن غذاهم وعشاهم أجزأه . قلت : وهو قول في المدونة لمالك أيضًا . وأما الصنف ، فاختلف : هل يطعم من عيش نفسه ، أو من عيش بلده وهو المشهور ؟ فمعنى الآية على هذا : { من أوسط ما تطعمون } أيها الناس { أهليكم } على الجملة { أو كسوتهم } فيكسو كل مسكين ما تصح به الصلاة ، فالرجل ثوب ، والمرأة قميص وخمار ، { أو تحرير رقبة } مؤمنة على مذهب مالك لتقييدها بذلك في كفارة القتل . وأجاز أبو حنيفة عتق الكافر ، لإطلاق اللفظ هنا ، واشترط مالك أيضًا أن تكون مسلمة من العيوب ، وليس في الآية ما يدل عليه ، فهذه الثلاثة بالتخيير . { فمن لم يجد } واحدًا من هذه الثلاثة ، ولم يقدر على شيء منها ، بحيث لم يفضل له عن قوته وقوت عياله في يومه ما يطعم به ، { فصيام ثلاثة أيام } يستحب تتابعها ، اشترطه أبو حنيفة لأنه قرىء : أيام متتابعات ، والشاذ ليس بحجة ، { ذلك } المذكور هو { كفارة أيمانكم إذا حلفتم } وحنثتم ، { واحفظوا أيمانكم } أي : صونوا ألسنتكم عن كثرة الحلف ، فيكون الله عرضة لأيمانكم ، أو احفظوها بأن تبروا فيها ولا تحنثوا ، إلا إن كان في الامتناع من الخير ، فالحنث فيها أحسن ، كما في الحديث . أو احفظوها بأن تكفروها إذا حنثتم ، ولا تتهاونوا بها ، { كذلك يُبيّن الله لكم آياته } أي : مثل ذلك البيان يُبين لكم أعلام شرائعه { لعلكم تشكرون } نعمة التعليم ، أو نعمه الواجب شكرها ، فإن مثل هذا التبيين يُسهل لكم المخرج من ضيق اليمين ، فهو نعمة يجب شكرها . والله تعالى أعلم . الإشارة : ليس التشديد والتعقيد من شأن أهل التوحيد ، إنما شأنهم الاسترسال مع ما يبرز من عنصر القدرة ، ليس لهم وقت دون الوقت الذي هم فيه ، قد حلّ التوحيد عُقدهم ودكّ عزائمهم ، فهم في عموم أوقاتهم لا يدبرون ولا يختارون ، وإن وقع منهم تدبير أو اختيار رجعوا إلى ما يفعل الواحد القهار ، لا يبطشون إلى شيء ولا يهربون من شيء ، إلا إن كان فيه مخالفة للشرع . ولا يعقدون على ترك شيء من المباحات ولا على فعله ، لأنهم لا يرون لأنفسهم فعلاً ولا تركًا ، إن صدرت منهم طاعة شهدوا المنّة لله ، وإن وقعت منهم زلّة أو غفلة تأدبوا مع الله ، وبادروا بالتوبة إلى الله ، وما صدر من الصحابة رضوان الله عليهم فلعل ذلك كان حالاً غالبة عليهم ، قد أزعجهم وعظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنهضهم حاله ، فلما رآهم غلب عليهم الحال ردّهم إلى حال الاعتدال ، ولعل الحق جل جلاله ـ ، إنما جعل كفّارة اليمين جبرًا لخلل ذلك التعقيد ، الذي صدر من الحالف مع تفريطه بالحنث ، فكأنه حلف على فعل غيره ، ففيه نوع من التألي على الله . والله تعالى أعلم . ولما أمر الحقّ جلّ جلاله بأكل الحلال الطيب أخرج ضده ، فقال : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } .