Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 87-88)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله } أي : لا تحرموا ما طاب ولذ مما أحله الله لكم ، { ولا تعتدوا } فتحرموا ما أحللت لكم ، ويجوز أن يراد : ولا تعتدوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم ، فتكون الآية ناهية عن تحريم ما أحل وتحليل ما حرم ، داعية إلى القصد بينهما ، والوقوف على ما حد دون التجاوز إلى غيره . رُوِي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصَفَ القِيامَة يومًا ، وبالغ في إنذارهم ، فَرَقوا ، واجتمعوا في بيت عُثمان بن مظعون ، واتفقوا على ألا يزالوا صائمين قائمين ، وألا يناموا على الفُرُش ، ولا يأكُلوا اللحمَ والودَك ، ولا يَقربُوا النساء والطَّيبَ ، ويَرفضُوا الدُنيا ، ويلَبسُوا المُسوح ، ويَسيحُوا في الأرض ، ويَجُبُّوا مَذَاكِرَهم ، فَبلَغ ذلك رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم " إني لم أُومرْ بذلكَ ، إنَّ لأنفُسِكُم عَليكُم حقًا ، فصُومُوا وأفطِرُوا ، وقُومُوا ونَاموا ، فإنِّي أقُومُ وأنام ، وأصُوم وأُفطِر ، وآكُلُ اللحم والدَّسم ، وآتى النساء ، فَمَن رَغِبَ عن سُنتي فَليس مني " ونزلت الآية . ثم قال تعالى : { وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيبًا } أي : كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله ، { واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } فأحلوا حلاله واستعملوه ، وحرموا حرامه واجتنبوه . الإشارة : طريقةُ العباد والزهاد : رفض الشهوات والملذوذات بالكلية ، زهدًا وورعًا وخوفًا من اشتغال النفس بطلبها ، فيتعطل وقتهم عن العبادة ، وطريقة المريدين السائرين : رفض ما تتعلق به النفس قبل الحصول ، وتشره إليه رياضة وتعففًا ، لئلا تتعلق هِممُهم بغير الله ، فما جاءهم من غير طلب ولا شره أكلوه وشكروا الله عليه ، ولا يقفون مع جوع ولا شبع . وطريقة الواصلين العارفين : تجنب ما يقبض من غير يد الله ، فإذا أخذتهم سنة حتى غفلوا عن التوحيد فقبضوا شيئًا ، مع رؤية الواسطة ، أخرجوه عن ملكهم ، كما وقع لأبي مدين رضي الله عنه ويأخذون ما سوى ذلك قَلّ أو كثر ، ولا يقفون مع أخذ ولا ترك ، وفي الحكم : " لا تمدن يديك إلى الأخذ من الخلائق ، إلا أن ترى أن المعطي فيهم مولاك ، فإن كنت كذلك فخذ ما وافقك العلم " . ولما صدر من بعض الصحابة يمين على ترك ما تقدم ، ذكر لهم الكفارة ، وفيما تجب ، فقال : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } .