Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 93-93)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح } أي : إثم { فيما طعموا } من الخمر والميسر قبل التحريم ، { إذا ما اتقوا } أي : إذا اتقوا الشرك ، { وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا } المحرمات { وآمنوا } أي : حققوا مقام الإيمان ، { ثم اتقوا } الشبهات والمكروهات { وأحسنوا } أي : حصلوا مقام الإحسان ، وهو إتقان العبادة ، وتحقيق العبودية ، ومشاهدة عظمة الربوبية ، { والله يحب المحسنين } أي : يقربهم ويصطفيهم لحضرته ، رُوِي أنه لما نزل تحريم الخمر ، قالت الصحابة رضي الله عنهم ـ : يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر ؟ فنزلت . ويحتمل أن يكون هذا التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة ، أي : الماضي والحال والاستقبال ، أو باعتبارات الحالات الثلاثة . فيستعمل التقوى فيما بينه وبين نفسه بالتزكية والتحلية ، وفيما بينه وبين الناس بالكف عن التعرض لهم ، وفيما بينه وبين الله بامتثال أمره واجتناب نهيه والغيبة عن غيره ، ولذلك بدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة ، أو باعتبار المراتب الثلاثة المبدأ والوسط والنهاية ، أو باعتبار ما يُتقى ، فإنه ينبغي أن يتقي المحرمات توقيًا من العقاب ، ثم يتقي الشبهات تحفظًا من الحرام ، ثم يتقي بعض المباحات تحفظًا للنفس عن خسة الشره ، وتهذيبًا لها عن دنس الطبيعة ، قال معناه البيضاوي . الإشارة : المقامات التي يقطعها المريد ثلاث : مقام الإسلام ، ومقام الإيمان ، ومقام الإحسان ، فما دام المريد مشتغلاً بالعمل الظاهر من صلاة وصيام وذكر اللسان ، سُمي مقام الإسلام ، فإذا انتقل لعمل الباطن من تخلية وتحلية وتهذيب وتصفية ، سُمي مقام الإيمان ، فإذا انتقل لعمل باطن الباطن من فكرة ونظرة وشهودة وعيان سمي مقام الإحسان ، وهذا اصطلاح الصوفية سموا ما يتعلق بإصلاح الظواهر : إسلامًا ، وما يتعلق بإصلاح القلوب والضمائر ، إيمانًا ، وما يتعلق بإصلاح الأرواح والسرائر : إحسانًا . وجعل الساحلي في البغية كل مقام مركبًا من ثلاثة مقامات ، فالإسلام مركب من التوبة والتقوى والاستقامة ، والإيمان مركب من الإخلاص والصدق والطمأنينة ، والإحسان مركب من مراقبة ومشاهدة ومعرفة . وأطال الكلام في كل مقام ، لكن من سقط على شيخ التربية لم يحتج إلى شيء من هذا التفصيل . وبالله التوفيق . ثم تكلم على حرمة الصيد في الإحرام تبييناً لقوله : { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [ المائدة : 1 ] ، فقال : { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ } .