Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 39-45)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { فاصبرْ على ما يقولون } أي : ما يقوله الشركون في شأن البعث من الأباطيل ، فإنَّ الله قادر على بعثهم والانتقام منهم ، أو : يقولونه في جانبك من النقص والتكذيب ، أو : ما تقوله اليهود من مقالات الكفر والتشبيه ، { وسبِّح بحمد ربك } أي : اصبر على ما تسمع واشتغل بالله عنهم ، فسبِّح ، أي : نزِّه ربك عن العجز عما يمكن ، وعن وصفه تعالى بما يوجب التشبيه ، حامداً له تعالى على ما أنعم به عليك من إصابة الحق والرشاد ، { قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } وهما وقت الفجر والعصر ، وفضلهما مشهور . { ومن الليل فسبِّحه } أي : وسبّشحه في بعض الليل { وأدبارَ السجود } أي : أعقاب الصلوات ، جمع : دبر ، ومَن قرأ بالكسر ، فمصدر ، من : أدبرت الصلاة : انقضت ، ومعناه : وقت انقضاء الصلاة ، وقيل : المراد بالتسبيح : الصلوات الخمس ، فالمراد بما قبل الطلوع : صلاة الفجر ، وبما قبل الغروب : الظهر والعصر ، وبما من الليل : المغرب والعشاء والتهجُّد ، وبأدبار السجود : النوافل بعد المكتوبات . { واسْتَمِع } أي : لِما يُوحى إليك من أحوال القيامة ، وفيه تهويل وتفظيع للمخبر به ، { يوم يُنادي المنادِ } أي : إسرافيل عليه السلام ، فيقول : أيتها العظام البالية ، واللحوم المتمزقة ، والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء ، وقيل : إسرافيل ينفخ ، وجبريل ينادي بالمحشر ، { من مكانٍ قريبٍ } بحيث يصل نداؤه إلى الكل ، على سواء ، وقيل : من حجرة بيت المقدس ، وهو أقرب مكان من الأرض إلى السماء باثني عشر ميلاً ، وهي وسط الأرض ، وقيل : من تحت أقدامهم ، وقيل : من منابت شعورهم ، فيسمع من كل شعرة . " ويوم " منصوب بما دلّ عليه " يوم الخروج " أي : يوم ينادِ المنادِ يخرجون من القبور ، فيوقف على " واستمع " وقيل : تقديره : واستمع حديث يوم ينادِ المنادي . و { يوم يسمعون الصحيةَ } : بدل من " يوم ينادِ " أي : واستمع يوم ينادِ المنادي ، وذلك اليوم هو يوم يسمعون الصيحة ، وهي النفخة الثانية . و { بالحق } : متعلق بالصيحة ، أو : حال ، أي : ملتبسة بالحق ، وهو البعث والحشر للجزاء ، { ذلك يومُ الخروجِ } من القبور . { إِنّا نحن نُحيي } الخلق { ونُميتُ } أي : نُميتهم في الدنيا من غير أن يشاركنا في ذلك أحد ، { وإِلينا المصير } أي : مصيرهم إلينا لا إلى غيرنا . وذلك { يومَ تشقق } أصله : تتشقق ، فأدغم ، وقرأ الكوفيون والبصري بالتخفيف ، بحذف إحدى التاءين ، أي : تتصدع ، { الأرضُ عنهم سِراعاً } فيخرج المؤمنون من صدوعها مسرعين ، { ذلك حشرٌ } أي : بعث { علينا يسيرٌ } هَيْنٌ ، وهو معادل لقول الكفرة : { ذلك رجع بعيد } ، وتقديم الجار والمجرور لتخصيص اليسر به تعالى . { نحن أعلم بما يقولون } من نفي البعث وتكذيب الآيات ، وغير ذلك مما لا خير فيه ، وهو تهديد لهم ، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وما أنت عليهم بجبَّار } أي : ما أنت بمسلَّط عليهم ، إنما أنت داع ، كقوله : { لَّسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر } [ الغاشية : 22 ] من : جبره على الأمر : قهره ، أي : ما أنت بوالٍ عليهم تجبرهم على الإيمان ، وهذا قبل الأمر بالقتال ، { فذَكِّر بالقرآن من يخاف وعيدِ } لأنه هو الذي يتأثر بالوعظ ، كقوله : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } [ النازعات : 45 ] وأما مَن عداهم ، فنحن نفعل بهم ما توجبه أقوالهم ، وتستدعيه أعمالهم من أنواع العقاب وفنون العذاب . الإشارة : فاصبر أيها المُتوجِّه على ما تسمع من الأذى ، وغب عن ذلك بذكر ربك قبل طلوع شمس البسط ، وقبل غروبها ، أي : اشتغل بالله في القبض والبسط ، أو : قبل طلوع شمس المعرفة ، في حال السير ، وقبل الغروب حين تطلع ، ومن ليل القبض أو القطيعة فسبِّح حتى يطلع نهار البسط أو المعرفة ، وأدبار السجود ، أي : عقب سجود القلب في الحضرة ، فلا يرفع رأسه أبداً ، واستمع يوم ينادِ المنادي ، وهي الهواتف الغيبية ، والواردات الإلهية ، والإلهامات الصادقة ، من مكان قريب ، هو القلب ، يوم يسمعون الصيحة ، أي : تسمع النفوس صيحة الداعي إلى الحق بالحق ، فتجيب وتخضع إن سبقت لها العناية ، ذلك يوم الخروج ، خروج العوائد والشهوات من القلب ، فتحيي الروح ، وتُبعث بعد موتها بالغفلة والجهل ، بإذن الله ، إنا نحن نُحيي نفوساً بمعرفتنا ، ونُميت نفوساً بقهريتنا ، وإلينا المصير ، أي : الرجوع إنما هو إلينا ، فمَن رجع إلينا اختياراً أكرمناه ونعّمناه ، وفي حضرة القدس أسكنّاه ، ومَن رجع قهراً بالموت عاتبناه أو سامحناه ، وفي مقام البُعد أقمناه . { يوم تشقق الأرضُ عنهم } : أرض الحشر في حق العامة ، وأرض الوجود في حق الخاصة ، أي : يذهب حس الكائنات ، وتضمحل الرسوم ، وتُبدل الأرض والسموات ، ذلك حشر علينا يسير ، أي : جمعكم إلينا ، بإفناء وجودكم ، وإبقائكم بوجودنا ، يسير على قدرتنا ، وجذبِ عنايتنا . ويُقال لكل داع إلى الله ، في كل زمان ، حين يُدبر الناس عنه ، وينالون منه : نحن أعلم بما يقولون ، وما أنت عليهم بجبّار ، إنما أنت داع : خليفة الرسول ، فذكِّر بالقرآن ، وادع إلى الله مَن يخاف وعيدِ إذ هو الذي يتأثر بالوعظ والتذكير ، وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وسلمّ .