Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 1-6)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { والذاريات } الرياح الذاريات لأنها تذرو التراب والحشيش وغير ذلك ، يُقال : ذرت الرياحُ تذرو ذرواً ، وأذرت تذري ، و { ذرواً } : مصدر ، والعامل فيه اسم الفاعل . { فالحاملات وِقْراً } أي : السحاب الحاملة للأمطار ، أو : الرياح الحاملة للسحاب الموقورة بالماء . وقال ابن عباس : السفن الموقورة بالناس ، فـ " وِقراً " مفعول بالحاملات ، { فالجاريات يُسراً } أي : السفن الجارية في البحر والرياح الجارية في مهابها ، أو السحاب الجارية في الجو تسوق الرياحَ ، او : الكواكب السيارة الجارية في مجاريها ومنازلها بسهولة ، { يسراً } : نعت لمصدر محذوف ، أي : جرياً ذا يسر . { فالمُقسَّمات أمراً } أي : الملائكة التي تقسم الأمور الغيبية من الأمطار والأرزاق والآجال ، والخَلْق في الأرحام ، وأمر الرياح ، وغير ذلك لأن هذا كله إنما هو بملائكة تخدمه ، فـ " أمراً " هنا جنس ، وأنَّثَ " المقسّمات " لأن المراد الجماعات ، ويجوز أن يُراد الرياح في الكل ، فإنها تنشئ السحاب ، وتُقلّه ، وتُصرّفه ، وتجري به في الجو جرياً سهلاً ، وتقسّم الأمطار بتصريف السحاب في الأقطار . ومعنى الفاء على الأول : أنه تعالى أقسم بالرياح ، فبالسحاب التي تسوقه ، فبالفلك الجارية بهبوبها ، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق ، وعلى الثاني : أنها تبتدئ بالهبوب ، فتذروا التراب والحصباء ، فتُقل السحاب ، فتجري في الجو باسطةً له ، فتقسّم المطر . وقال أبو السعود : فإن حملت الأمور المقْسم بها على ذوات مختلفة ، فالفاء لترتيب الإقسام باعتبار ما بينها في التفاوت في الدلالة على كمال القوة ، وإلا فهي لترتيب ما صدر عن الريح من الأفاعيل ، فإنها تذرو الأبخرة إلى الجو حتى تنعقد سحاباً ، فتجري به بساطة له إلى ما أمرت به ، فتقسم المطر . هـ . والمقسّم عليه قوله : { إِنَّ ما تُوعدون } من البعث والجزاء ، { لصادقٌ } لوعد صادق ، { وإِنَّ الدين } أي : الجزاء على الأعمال { لواقعٌ } لكائن لا محالة . وتخصيص الأمور المذكورة بالإقسام بها رمزاً إلى شهادتها بتحقيق مضمون الجلمة المُقْسَم عليها ، من حيث إنها أمور بديعة ، مخالفة لمقتضى الطبيعة ، فمَن قدر عليها فهو قادر على البعث الموعود ، و " ما " موصولة ، أو مصدرية ، ووصف الوعد بالصدق كوصف العيشة بالرضا . والله تعالى أعلم . الإشارة : { والذاريات } : رياح الواردات الإلهية ، التي ترد على القلوب ، فتذرو منها الأمراض والشكوك والأوهام والخواطر لأنها تأتي من حضرة قهّار ، لا تُصادم شيئاً إلا دفعته ، { فالحاملات وِقراً } فالأنفس المطهرة ، الحاملة للعلوم والحِكم والمواهب ، وِقراً : حِملاً لا حدّ له ، { فالجاريات يُسراً } : فالأفكار الجارية في بحار الأحدية ، من الجبروت إلى الملكوت ، ثم تنزل على عالَم المُلك ، تتفنن في علوم الحكمة ، في جرياً يُسراً شيئاً فشيئاً ، { فالمُقَسِّمات أمراً } : فالأرواح والأسرار الكاملة ، التي تقسم الأرزاق المعنوية والحسية ، حيث جعل الله لها ذلك بفضله عند كمالها ، وهذه أرواح أهل التصرُّف من الأولياء . إنما تُوعدون من الوصول إلينا لَصادِقٌ لمَن صدق في الطلب ، وإنَّ الجزاء على المجاهدة بالمشاهدة لواقع . قال القشيري : إن الله تعالى وعد المطيعين بالجنة ، والتائبين بالمحبة ، والأولياء بالقُربة ، والعارفين بالوصلة ، والطالبين بالوجدان . ولعلّ مراده بالأولياء عموم الصالحين . ثم جَدّد قَسَماً آخر ، فقال : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } .