Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 48-49)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمَن كان على قدمه : { واصبرْ لحُكم ربك } بإمهالهم إلى اليوم الموعود مع مقاساتك آذاهم ، أو : واصبر لِمَا حكم به عليك من شدائد الوقت ، وإذاية الخلق ، { فإِنك بأعيُننا } أي : حفظنا وحمايتنا ، بحيث نراقبك ونكلؤك . والمراد بالحُكم : القضاء السابق ، أي : لما قُضي به عليك ، وفي إضافة الحُكم إلى عُنوان الربوبية تهييج على الصبر ، وحل عليه ، أي : إنما هو حُكم سيدك الذي يُربيك ويقوم بأمورك وحفظك ، فما فيه إلا نفعك ورفعة قدرك . وجمع العين والضمير للإيذان بغاية الاعتناء بالحفظ والرعاية . { وسبِّح بحمد ربك } أي : نزِّهه ملتبساً بحمده على نعمائه الفائتة للحصر ، { حين تقومُ } أي : من أيّ مكان قمت ، أو : من منامك . وقال سعيد بن جبير : حين تقوم من مجلسك تقوم : سبحانك اللهم وبحمدك . وقال الضحاك والربيع : إذا قمت إلى الصلاة فقل : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك ، وتعالى جَدُّكَ ، ولا إله غيرك . هـ . { ومن الليل فسبِّحه } أي : في بعض الليل وأفراده لأن العبادة فيه أشق على النفس ، وأبعد من الرياء ، كما يلوح به تقدميه على الفعل ، والمراد إما الصلة في الليل ، أو التسبيح باللسان سبحان الله وبحمده ، { وإِدبار النجوم } أي : وقت إدبارها ، أي : غيبتها بضوء الصبح ، والمراد : آخر الليل ، وقيل : التسبيح من الليل : صلاة العشاء ، وإدبار النجوم : صلاة الفجر . وقرأ زيدٌ عن يعقوب بفتح الهمز ، أي : أعقابها إذا غربت . الإشارة : في هذه تسلية لأهل البلاء والجلال ، فإنّ مَن عَلِمَ أن ما أصابه إنما هو حُكم ربه ، الذي يقوم به ويحفظه ، وهو بمرئً منه ومسمَعٍ ، لا يهوله ما نزل ، بل يزيده غبطةً وسروراً لعلمه بأنه ما أنزله به إلا لرفعة قدره ، وتشحير ذهب نفسه ، وقطع البقايا منه ، فهو في الحقيقة نعمة لا نقمة ، وفي الحِكَم : " مَن ظنّ انفكاك لطف الله عن قدره ، فذلك لقصور نظره " . قال القشيري : أي : اصبر لما حكم به في الأزل ، فإنه لا يتغير حكمنا الأول إن صبرت وإن لم تصبر ، لكن إن صبرت على قضائي جزيت ثواب الصابرين بغير حساب ، وفيه إشارة أخرى ، أي : اصبر فإنك بأعيينا نعينك على الصبر لأحكامنا الأزلية ، كما قال تعالى : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ } [ النحل : 127 ] . هـ . وقيل المعنى : فإنك من جُملة أعيننا ، وأعيان الحق الكُمل من الأنبياء ، والرسل ، والملائكة ، وأكابر أوليائه ، فإنهم أعيان تجلياته ، ولذلك الإشارة بقوله عمر رضي الله عنه في شأن عليّ - كرّم الله وجهه - حين ضرب شخصاً فشكاه : " أصابته عين من عيون الله " ، وذلك لما تمكنوا من سر الحقيقة ، صاروا عين العين . ومن ذلك قولهم : ليس الشأن أن تعرف الاسم ، إنما الشأن أن تكون عين الاسم ، أي : عين المُسمّى ، وهو سر التصرُّف بالهوية عند التمكين فيها ، وتمكُّن غيبة الشهود في الملك المعبود ، وقوله تعالى : { وسبح بحمد ربك … } الخ ، فيه إشارة إلى مداومة الذكر ، والاستغراق فيه ، ودوام التنزيه لله تعالى عن رؤية شيء معه . وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم .