Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 18-22)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { كذبتْ عادٌ } هوداً عليه السلام ، { فكيف كان عذابي ونُذُرِ } ؟ ! أي : وإنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله ، والاستفهام لتوجيه قلوب السامعين للإصغاء إلى ما يُلقى إليهم قبل ذكره لتهويله وتعظيمه ، وتعجيبهم من حاله قبل بيانه ، كما قبله وما بعده ، كأنه قيل : كذبت عاد فهل سمعتم ما حلّ بهم ؟ أو : فاسمعوا ، فكيف كان عذابي وإنذاري لهم . ثم بيَّن ما أجمل فقال : { إِنَّا أرسلنا عليهم ريحاً صَرْصَراً } باردة أو : شديدة الصوت ، { في يوم نَحْسٍ } شؤم { مستمرٍ } شؤمه عليهم إلى أن أهلكهم ، وكان في أربعاء آخر شوال ، { تَنزِعُ الناسَ } أي : تقلعهم ، وجاء بالظاهر مكان المضمر ليشمل ذكورَهم وإناثهم ، صغيرهم وكبيرهم . رُوي : أنهم كانوا يتداخلون الشِّعاب ، ويحفرون الحفر ، ويندسُّون فيها ، ويُمسك بعضهم ببعض فتزعجهم الريح ، وتَصرعُهم موتى . قال ابن إسحاق : ولمّا هاجت عليهم الريح ، قام سبعةُ نفرٍ من عاد فأولجوا العيال في شعب بين جبلَين ، ثم اصطفُّوا على باب الشعب ، ليردُّوا الريحَ عنهم ، فجعلت الريحُ تجعفهم رجلاً رجلاً . هـ . ثم صاروا بعد موتهم { كأنهم أعجازُ نخل مُنقَعرٍ } أي : أصول نخل منقلع من مغارسه ، وشُبِّهوا بأعجاز النخلة ، وهي أصولها التي قطعت روؤسها لأنّ الريح كانت تقطع رؤوسهم ، فتبقى أجساداً بلا رؤوس ، فيتساقطون على الأرض أمواتاً ، وهم جثث طوال . وتذكير صفة النخل بالنظر إلى اللفظ ، كما أن تأنيثه في قوله تعالى : { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحافة : 7 ] بالنظر للمعنى . { فكيف كان عذابي ونُذُر } ؟ ! تهويل وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما ، فليس فيها شائبة تكرار ، وما قيل : من أن الأول لِما حاق بهم في الدنيا ، والثاني لِما يحيق بهم في الآخرة ، يرده ترتيب الثاني على العذاب الدنيوي . { ولقد يَسَّرنا القرآنَ للذكرفهل من مُّدَّكِرٍ } ؟ ! وفي تكريره بعد كل قصة تنبيه على أن إيراد قصص الأمم إنما هو للوعظ والتذكار ، وللانزجار عن مثل فعلهم ، لا لمجرد السماع والتلذُّذ بأخبارهم ، كما هي عادة القصاص . الإشارة : من شأن النفوس العاتية المُتجبرة العادية تكذيب أهل الخصوصية كيفهما كانوا ، ولا ترضى بحط رأسها لمَن يدعوها إلى ربها ، فيُرسل اللّهُ عليهم ريحَ الهوى والخذلان ، فتصرعهم في محل الذل والهوان ، وتتركهم عبيداً لنفوسهم الخسيسة ، وللدنيا الدنية ، فكيف كان عذابي هؤلاء وإنذاري لهم ؟ ! ولقد يسّرنا القرآن للذكر ، وبيَّنَّا فيه ما فعلنا بأهل التكبُّر والعناد من الإهانة والطرد والإبعاد ، فهل مِن مدكر ، يتيقّظ مِن سنة غفلته ، ويرحل من دنياه لآخرته ، ومن نفسه إلى ربه ؟ ثم ذكر قصة ثمود ، فقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } .