Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 12-15)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : واذكر { يومَ ترى } أو : لهم أجر كبير { يومَ ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهم } وهو نور الإيمان في الدنيا ، يكون هناك حسيّاً يسعى { بين أيديهم وبأَيمانهم } وقيل : هو القرآن ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم مَن يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهك كالرجل القائم ، وأدناهم نوراً مَنْ نوره على إبهام رجله ، يطفأ تارة ويلمع تارة . قلت : ومنهم مَن نُوره كالقمر ليلة البدر ، ومنهم مَن نوره كالشمس الضاحية ، يُضيء خمسمائة عام ، كما في أحاديث أخرى ، وذلك على قدر إيمانهم وعرفانهم . قال الحسن : يستضيئون به على الصراط ، وهم متفاوتون في السرعة ، قال أبو نصر الهمداني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سبعة أنواع : الصدِّيقون ، والعلماء ، والبُدلاء ، والشهداء ، والحُجاج ، والمطيعون ، والعاصون ، فالصدِّيقون يمرُّون كالبرق ، والعلماء ، أي : العاملون ، كالريح العاصف ، والبدلاء كالطير في ساعة ، والشهداء كالجواد المسرع ، يمرُّون في نصف يوم ، والحجاج يمرُّون يومٍ كامل ، والمطيعون في شهر ، والعاصون يضعون أقدامهم على الصراط ، وأوزارهم على ظهرهم ، فيعثرون ، فتقصد جهنم أن تحرقهم ، فترى نور الإيمان في قلوبهم ، فتقول : جز يا مؤمن ، فإنَّ نورك قد أطفا لهبي . هـ . قلت : الصدِّيقون على قسمين ، أما أهل الاقتداء ، الدالُّون على الله ، المسلِّكون ، فتقرب الغُرف لهم ، فيركبونها ، ويمرُّون ، وأما الأفراد فيطيرون كالبرق . والله تعالى أعلم . وقال مقاتل : يكون هذا النور لهم دليلاً إلى الجنة ، وتخصيص الجهتين لأنّ السعداء يُؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين { من بين أيديهم وعن إيمانهم } كما أنَّ الأشقياء يؤتون صحائفهم من شمائلهم ووراء ظهورهم ، فجَعَل النور في الجهتين إشعاراً لهم بأنهم بحسناتهم وبصحائفهم البيض أفلحوا . وتقول لهم الملائكة : { بُشراكم اليومَ جناتٌ } أي : دخول جنات لأنّ البشارة تقع بالإجداث دون الجُثث ، { تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم } . { يومَ } بدل من " يوم ترى " { يقول المنافقون والمنافقاتُ للذين آمنوا انُظرونا } أي : انتظرونا لأنه يُسرَع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف ، ويبقى المنافقون في ظلمة ، فيقولون للمؤمنين : قفوا في سيركم لنستضيء بنوركم . وقرأ حمزة : " أَنظِرونا " ، من الإنظار ، وهو التأخير ، أي : أَمهِلوا علينا . وقال الفراء : تقول العرب : أنظرني ، أي : انتظرني ، فتتفق القراءتان . وقيل : من النظر ، أي : التفتوا إلينا وأَبْصِرونا { نَقتبس مِن نوركم } لأنَّ نورهم بين أيديهم ، فيُقال طرداً لهم وتهكُّماً بهم من جهة المؤمنين أو الملائكة : { ارجعوا وراءكم } أي : إلى الموقف ، إلى حيث أُعطينا هذا النور { فالتمِسوا نوراً } فإنّا هناك اقتبسناه ، أو : التفتوا وراءكم ، فيلتفتون فيُحال بينهم ، { فضُرِبَ } حينئذ { بينهم } بين الفريقين { بسُورٍ } بحائطٍ حائل بين شق الجنة وشق النار ، { له باب } يلي المنافقين ، ليروا ما فيه من المؤمنون من الأنوار والرحمة ، فيزدادون حسرة ، { باطِنُه } أي : باطن ذلك السور ، وهو الجهة التي تلي المؤمنين { فيه الرحمةُ وظاهرهُ } الذي يلي المنافقين { مِن قِبَلِه العذابُ } أي : العذاب حاصل من قِبَلِه . فالعذاب : مبتدأ ، و { مِن قِبَلِه } : خبر ، أي : ظاهر السور تليه جهنم أو الظلمة ، فيقابله العذاب ، فهم بين النار والسور . { يُنادونهم } أي : ينادي المنافقون المؤمنين : { ألم نكن معكم } في الدنيا ؟ يريدون موافقتهم لهم في الظاهر ، { قالوا } أي : المؤمنون : { بلى } كنتم معنا في الظاهر { ولكنكم فتنتم أنفسَكم } أي : محنتموها وأهلكتموها بالنفاق والكفر ، { وتربصتم } بالمؤمنين الدوائر ، { وارتبتم } في أمر الدين { وغرتكم الأمانيُّ } الفارغة ، التي من جملتها أطماعكم في انتكاس الإسلام ، أو : طول الأمل وامتداد الأعمار { حتى جاء أمرُ الله } الموت ، { وغرَّكم بالله } الكريم { الغَرُورُ } أي : الشيطان بأنَّ الله غفور كريم لا يعذبكم ، أو : بأنه لا بعث ولا حساب . { فاليومَ لا يُؤخذ منكم فديةٌ } فداء { ولا من الذين كفروا } جهراً ، { مأواكم النارُ } أي : مرجعكم ، لا تبرحون عنها أبداً { هي مولاكم } أي : المتصرفة فيكم تصرُّف المولى في ملكه ، أو : هي أولى بكم ، وحقيقة مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم ، أو : ناصركم ، على طريق : @ تحيةٌ بينهم ضَرْبٌ وجِيعُ @@ فيكون تهكُّماً بهم ، { وبئس المصيرُ } أي : النار . الإشارة : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ، الكاملين في الإيمان ، الطالبين الوصول ، يسعى نورُهم ، وهو نور التوجُّه بين أيديهم وبأيمانهم ، فيهتدون إلى أنوار المواجهة ، وهي المشاهدة ، فيقال لهم : بُشراكم اليوم جنات المعارف ، تجري من تحتها أنهار العلوم ، خالدين فيها ، ذلك هو الفوز العظيم . قال القشيري : قوله تعالى : { يسعى نورهم … } الخ كما أنَّ لهم في العرصة هذا النور فاليومَ لهم نورٌ في قلوبهم وبواطنهم ، يمشون في نورهم ، ويهتدون به في جميع أحوالهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن ينظر بنور الله " ، وقال تعالى : { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] . وربما سقط ذلك النورُ على مَنْ يَقْربُ إليهم ، وربما يقع من ذلك على القلوب ، فلا محالة لأوليائه هذه الخصوصية . هـ . قال الورتجبي : ونورُ الحق الذي ألبس العارف تخضع له الأكوان ومَن فيها ، ومثله لسهل . فانظره مسْتوفٍ . يوم يقول المنافقون والمنافقات ، وهم الذين اعتنوا بتزيين الظواهر ، وغفلوا عن البواطن ، فصارت خراباً من النور ، يقولون في الدنيا : انظُرونا والتفتوا إلينا ، نقتبس من نوركم ، قيل : ارجعوا وراءكم ، إلى دنياكم وحظوظكم ، فاتلمسوا نوراً ، تهكُّماً بهم ، فضُرب بينهم بسورٍ معنوي ، وهو خرق العوائد ، وتخريب الظواهر إذ لا يقدرون على ارتكابه ، له باب ليدخل معهم مَن أراد نورهم ، باطن ذلك السور فيه الرحمة ، وهي الراحة ، والطمأنينة ، والبسط ، وبهجة المعارف ، وظاهره الذي يلي العامة من قِبَلِه العذاب ، وهو ما هم فيه من الحرص ، والتعب ، والجزع ، والهلع ، والقبض . ينادونهم : ألم نكن معكم في عالم الحس ؟ وهو عالم الأشباح ، قالوا : بلى ، ولكنكم لم ترتقوا إلى عالم المعاني ، وهو عالم الأرواح ، الذي هو محل الراحة والهنا والسرور ، بل فَتنتم أنفسكم بأشغال الدنيا ، واشتغلتم بطلب حظوظها وجاهها ، ورئاستها وطيب مأكلها ، ومشربها وملبسها ، وتربصتم بأهل التوجه الدوائر ، أو الرجوع إلى ما أنتم فيه ، وارتبتم في وجود خصوصية التربية ، وغَرَّتكم الأماني : المطامع الكاذبة ، وأنكم تنالون الخصوصية بغير صحبة ولا مجاهدة ، وغرّكم طولُ الأمل والتسويف ، عن التوبة والتوجُّه ، وغرّك بحلمه الغرور ، فزيَّن لكم القعود والتخلُّف عن مقامات الرجال ، فاليوم ، أي : حين ظهرت مقامات الرجال في الدنيا والآخرة ، لا يؤخذ منكم فدية في التخلُّص من غم الحجاب ، ولا من الذين كفروا ، مأواكم نار القطيعة ، هي مولاكم ومنسحبة عليكم ، وبئس المصير . ثم وبَّخهم على التقعُّد عن النهوض إليه ، فقال : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } .