Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 28-29)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { يأيها الذين آمنوا } بالرسل المتقدمة { اتقوا اللهَ } أي : خافوه { وآمِنوا برسوله } محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، المذكور في كتابكم ، { يُؤتِكم كِفْلَين } نصيبين { من رحمته } لإيمانكم بالرسول صلى الله عليه وسلم وبمَن قبله ، لكن لا بمعنى أن شريعتهم باقية بعد البعثة ، بل على أنها كانت حقاً قبل النسخ ، وإنما أعطى مَن آمن بنبينا كفلين مع بطلان شريعته ، لصعوبة الخروج عن الإلف والعادة ، { ويجعل لكم نوراً تمشون به } يوم القيامة ، كما سبق للمؤمنين في قوله : { يَسْعَى نُورُهُم … } [ الحديد : 12 ] الخ ، { ويغفرْ لكم } ما أسلفتم من الكفر والمعاصي ، { واللهُ غفور رحيم } ويؤيد هذا التأويل وأنَّ الخطاب لأهل الكتاب : قوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي … " الحديث . وقيل : الخطاب للمؤمنين ، أي : يأيها الذين آمنوا اتقوا الله فيما نهاكم عنه ، ودُوموا على إيمانكم ، يؤتكم كفلين … الخ ، ويؤيد هذا حديث الصحيحين : " مَثَلُ أهل الكتاب قبلنا كمثل رجل استأجر أُجراء يعملون إلى الليل على قيراط قيراط ، فعملت اليهود إلى نصف النهار ، ثم عجزوا ، ثم عملت النصارى إلى العصر ، فعجزوا ، ثم عملتم إلى الليل ، فاستوفيتم أجر الفريقين ، فقيل : ما شأن هؤلاء أقل عملاً وأعظم أجراً ؟ فقال : هل ظلمتكم من حقكم شيئاً ؟ قالوا : لا ، قال : ذلك فضلي أوتيه مَن أشاء " . قيل : لمّا نزل قوله : { أولئك يُؤتون أجرهم مرتين بما صبروا } افتخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزل . { يا أيها الذين آمنوا … } الخ . ولمّا نزلت هذه الآية الكريمة في هذا الوعد الكريم للمؤمنين حسدتهم اليهود ، فأنزل الله : { لئلا يعلم أهل الكتاب ألاَّ يقدرون على شيء … } الخ ، أي : إنما خصصت المسلمين بذلك ليعلم أهل الكتاب أنه ، أي : الأمر والشأن لا يملكون فضل الله ، ولا يدخل تحت قدرتهم ، فـ " إن " مخففة ، واسمها : ضمير الشأن ، ولا مزيدة ، أي : ليعلم أهل الكتاب أنه لا يقدرون { على شيءٍ من فضل الله } ولا يملكونه ، حتى يخصوا به مَن شاؤوا ، { و } ليعلموا أيضاً { أنَّ الفضلَ بيد الله } في ملكه وتصرفه ، { يُؤتيه من يشاء } من عباده { واللّهُ ذو الفضل العظيم } لا نهاية لفضله . وعلى أنَّ الخطاب لأهل الكتاب يكون قوله : { لئلا يعلم أهل الكتاب } أي : مَن لم يؤمن منهم ، فيكون راجعاً لمضمون الجملة الطلبية ، المتضمنة لمعنى الشرط ، أي : { يا أيها الذين آمنوا } بموسى وعيسى { اتقوا الله وآمنوا برسوله } فإن فعلتم ذلك { يُؤتكم كفلين من رحمته … } الخ ، وإنما جَعلتُ هذا لمَن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا به أنهم لا يملكون من فضل الله شيئاً ، وأنَّ الفضل بيد الله … الخ . الإشارة : تنسحب هذه الآية من طريق الإشارة على مَن كانت في أسلافه خصوصية ولاية ، أو صلاح ، أو شرف علم أو رئاسة مَّا ، ثم ظهرت التربية الحقيقية في غير أسلافه ، فإن حطّ رأسه وصَدّق بالخصوصية لغيره أعطي أجره مرتين ، وعظم قدره في مقام الولاية ، وإنما كانت تنتقل دولة الولاية ليعلم أهلُ الخصوصية المتقدمة أنّ الفضل بيد الله ، يُؤتيه مَن يشاء ، والله ذو الفضل العظيم . والله الموفق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وصلّى الله على سيدنا محمد ، وآله وصحبه ، وسلّم .