Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 100-102)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { الجن } : مفعول أول لجعلوا ، و { شركاء } : مفعول ثانٍ ، وقدّم لاستعظام الإشراك ، أو { شركاء } : مفعول أول ، و { لله } : في موضع المفعول الثاني ، و { الجن } : بدل من شركاء ، وجملة { خلقهم } : حال ، و { بديع } : خبر عن مضمر ، أو مبتدأ وجملة { أنَّى } : خبره ، وهو من إضافة الصفة إلى مفعولها أي : مبدع السماوات ، أو إلى فاعلها : أي : بديع سماواته ، من بَدُعَ إذا كان على نمط عجيب ، وشكل فائق ، وحُسن لائق . يقول الحقّ جلّ جلاله : توبيخًا للمشركين : { وجعلوا لله شركاء } في عبادته ، وهم { الجن } أي : الملائكة لاجتنانهم أي : استتارهم ، فعبدوهم واعتقدوا أنهم بنات الله ، أو الجن حقيقة ، وهم الشياطين لأنهم أطاعوهم كما يُطاع الله تعالى ، أو : عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم ، فقد أشركوا مع الله ، و { و } الحال أن الله قد { خلقهم } أي : الجن أي : عبدوهم وهم مخلوقون ، أو الضمير للمشركين ، أي : عبدوا الجن ، وقد عَلِمُوا أن الله قد خلقهم دون الجن لعجزه ، وليس من يَخلُق كمَن لا يَخلُق . { وخرقوا له } أي : اختلقوا وافترَوا ، أو زوَّرُوا برأيهم الفاسد له { بنين } كالنصارى في المسيح ، واليهود في عُزَير ، { وبنات } كقول العرب في الملائكة : إنهم بنات الله تعالى الله عن قولهم قالوا ذلك { بغير علم } أي : بلا دليل ولا حجة ، بل مجرد افتراء وكذب ، { سبحانه وتعالى } أي : تنزيهًا له ، وتعاظم قدره { عما يصفون } من أن له ولدًا أو شريكًا . وكيف يكون له الولد أو الشريك ، وهو { بديعُ السماوات والأرض } ؟ . أي : مبدعهما ومخترعهما بلا مثال يحتذيه ، ولا قانون ينتحيه ، والمعنى : أنه تعالى مُبدع لقطري العالم العلوي والسفلي بلا مادة : لأنه تعالى مُنزه عن الأفعال بالمادة . والوالد عنصر الولد ، ومُنفصل بانتقال مادته عنه ، فكيف يمكن أن يكون له ولد ؟ . ولذلك قال : { أَنى يكونُ له ولدٌ } أي : من أين ، أو كيف يكون له ولد ، { ولم تكن له صاحبة } يكون منها الولد ، فإن انتفاء الصاحبة مستلزم لانتفاء الولد ، ضرورة استحالة وجود الولد بلا والدة في العادة ، وانتفاء الصاحبة مما لا ريب فيه ، وكيف أيضًا يكون له ولد { و } قد { خلقَ كلَّ شيء } ، فيكف يتصور أن يكون المخلوق ولدًا لخالقه ؟ { وهو بكل شيء عليم } أي : أحاط بما من شأنه أن يعلُم كائنًا ما كان ، فلا تخفى عليه خافية مما كان ، ومما سيكون من الذوات والصفات ، ومن جملتها : ما يجوز عليه تعالى وما يستحيل كالولد والشريك . { ذلكم } المنعوت بما ذكر من جلائل الصفات ، هو { الله } المستحق للعبادة خاصة ، { ربُكم } أي مالك أمركم لا شريك له أصلاً ، { خالقُ كل شيء } ، مما كان وسيكون ، ولا تكرار مع ما قبله لأن المعتبر فيما تقدم خالقيته لِمَا كان فقط ، كما تقتضيه صيغة الماضي ، بخلاف الوصف يصلح للجميع ، وإذا تقرر أنه خالق كل شيء { فاعبدوه } فإن من كان خالقًا لكل شيء ، جامعًا لهذه الصفات ، هو المستحق للعبادة وحده ، { وهو على كل شيء وكيل } أي : هو متولي أمور جميع عباده ومخلوقاته ، التي أنتم من جملتها ، فَكِلُوا أمركم إليه ، وتوسلوا بعبادته إلى جميع مآربكم الدنيوية والأخروية ، فإنه يكفيكم أمرها بقدرته وحفظه . الإشارة : كل من خضع لمخلوق في نيل حظ دنيوي ، إنسيًا أو جنيًا ، أو أطاعه في معصية الخالق ، فهو مشرك به مع ربه ، { وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } [ النساء : 116 ] ، فلذلك عمل الصوفية على مجاهدة نفوسهم في مخالفة الهوى لئلا تميل بهم إلى شيء من السِّوى ، وتحرروا من رق الطمع ، وتوجهوا بمهمتهم إلى الحق وحده ، ليتبرأوا من أنواع الشرك كلها ، جليها وخفيها . حفظنا الله بما حفظهم به . آمين . ثم عَرَّف بذاته المقدسة ، فقال : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } .