Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 104-104)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : البصائر : جمع بصيرة ، وهي عَينُ القلب ، كما أن البصر عين البدن ، فالبصيرة ترى المعاني القديمة ، والبصر يرى الحسيات الحادثة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قد جاءكم } أيها الناس { بصائرُ من ربكم } أي : براهين توحيده ، ودلائل معرفته ، حاصلةَ من ربكم ، تنفتح بها البصائر ، وتبصر بها أنوار قدسه ، { فمن أبصرَ } الحق ، وآمن به ، واستعمل الفكر فيه حتى عرفه ، { فلنفسه } أبصر ، ولها نفع ، { ومن عَميَ } عنها ، ولم يرفع رأسًا ، وضل عن الحق ، { فعليها } وباله وضرره ، ولا يتضرر بها غيره ، { وما أنا عليكم بحفيظ } أرقب أعمالكم وأُجازيكم ، وإنما أنا منذر ، والله هو الحفيظ عليكم ، يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها . الإشارة : البصيرة كالبصر ، أدنى شيء يقع فيها يَضُرُّ بناظرها ، وهي على أقسام : منها ما تكون عمياء ، والعياذ بالله ، وهي التي فسد ناظرها بفساد الاعتقاد ، كبصيرة الكفار ومن قاربهم ، ومنها ما تكون مريضة فقط ، لا تقاوم شعاع شمس التوحيد الخاص ، وهي بصيرة أهل الغفلة ، ومنها ما يخف مرضها فيكون لها شعاع ، تدرك قرب نور الحق منها وهي بصيرة المتوجهين من العباد والزهاد ونهاية الصالحين . ومنها ما تكون قريبة البُرء والصحة ، قد انفتحت ، لكنها حيرى لما فاجأها من النور ، وهي بصيرة المريدين السائرين من أهل الفناء ، ومنها ما تكون صحيحة قوية ، قد تمكنت من شهود الأنوار ، ورسخت في بحر الأسرار ، وهي بصيرة العارفين المتمكنين في مقام البقاء ، وقد أشار في الحِكَم إلى الثلاثة فقال : " شُعاعُ البصيرة يُشهدك قرب الحق منك ، وعين البصيرة يشهدك عدمك لوجوده ، وحق البصيرة يشهدك وجود الحق لا عدمك ولا وجودك ، كان اللهُ ولا شيءَ معهُ ، وهو الآنَ علَى ما عليه كان " . وذِكْرُ هذه الآيات ، سبب لضلال أهل الشقاء وهداية أهل العناية ، كما بيَّن ذلك بقوله : { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } .