Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 123-123)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { جعلنا } بمعنى صيَّرنا ، يتعدى إلى مفعولين ، و { مجرميها } : مفعول أول ، مؤخر ، و { أكابر } : مفعول ثان ، وفيه ضعف من جهة الصناعة لأن أكابر جمع أكبر ، وهو من أفعل التفضيل ، فلا يستعمل إلا بالإضافة ، أو مقرونًا بمن . قاله ابن جزي . قلت : ويُجاب بأنه لم يقصد به المفاضلة ، وإنما المراد مطلق الوصف ، أي : جعلناهم كبراء ، فلا يلزم إفراده ولا اقترانه بمن . فتأمله . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وكذلك } أي : كما جعلنا في مكة أكابر مجرميها ، ليمكروا فيها بأهلها ، { جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } أي : مجرميها أكابر ، { ليمكروا فيها } بمن فيها ، فيمكروا بالناس فيتبعوهم على ذلك المكر ، لأنهم أكابر تصعب مخالفتهم ، فيحملونهم على الكفر والعصيان ، ويخذلونهم عن الإسلام والإيمان ، { وما يمكرون إلا بأنفسهم } لأن وبال مكرهم راجع إليهم ، { وما يشعرون } بذلك . الاشارة : إذا أراد الله بقومٍ خيرًا جعل الخير في أكابرهم : فيجعل أُمراءهم عُدولاً حُلَماء ، وعلماءهم زهَّادًا أعفَّاءً ، وأغنياءهم رحماء أسخياء ، وصُلحاءهم قانعين أغنياء ، وإذا أراد بهم شرًا جعل الشر في كبرائهم ، فيجعل أمراءهم فجارًا يحكمون بالهوى ، وعلماءهم حراصًا جامعين للدنيا ، وأغنياءهم أشحاء قاسية قلوبهم ، وصلحاءهم طماعين في الناس ، منتظرين لما في أيديهم ، فبهؤلاء يصلح الدين إذا صلحوا ، ويفسد إذا فسدوا ، وفي ذلك يقول ابن المبارك رحمه الله : @ وَهَل أفسَدَ الدِّينَ إلا المُلُوكُ وأحبارُ سُوءٍ وَرُهبَانُها @@ وقد تقدم تمامه في تفسير سورة البقرة . وبالله التوفيق . ثم بيَّن حال تلك الأكابر المجرمين ، فقال : { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ } .