Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 128-129)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { خالدين } : حال مقدَّرة من الكاف ، والعامل فيه : { مثواكم } ، إن جعل مصدرًا ، أو معنى الإضافة ، إن جعل مكانًا . يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } اذكر { يوم نحشرهم } أي : الثقلين ، { جميعًا } ونقول : { يا معشر الجن } أي : الشياطين { قد استكثرتم من الإنس } أي : من إغوائهم وإضلالهم ، أو استكثرتم منهم بأن جعلتموهم في أتباعكم ، فحُشروا معكم ، { وقال أولياؤهم من الإنس } الذين أطاعوهم في الكفر : { ربنا استمتع بعضنا ببعض } أي : انتفع الإنس بالجن ، بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إليها ، وانتفع الجن بالإنس بأن أطاعوهم وحَصَّلوا مرادهم : وقيل : استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا يعوذُون بهم في المفارز وعند المخاوف ، كان الرجل إذا نزل واديًا يقول : أعوذ بصاحب هذا الواد ، يعني كبير الجن ، واستمتاعهم بالإنس : اعترافهم بأنهم يقدرون على إجارتهم ، { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } وهو الموت أو البعث والحشر ، وهو اعترافٌ بما فعلوا من طاعة الشياطين واتباع الهوى ، وتكذيب البعث ، وتحسرٌ على حالهم ، وإظهار للأستكانة والضعف . أقروا بذنبهم لعله ينفعهم . { قال النار مثواكم } : منزلكم ، { خالدين فيها إلا ما شاء الله } إلا أوقات ، ينتقلون فيها من النار إلى الزمهرير ، وقيل : ليس المراد بالاستثناء هنا الإخراج ، وإنما هو على وجه الآدب مع الله وإسناد الأمور إليه . وسيأتي في الإشارة تكميله إن شاء الله ، { إن ربك حكيم } في أفعاله ، { عليم } بأعمال الثقلين . { وكذلك } أي : كما ولينا الشياطين على الكفرة ، { نُوَلِّي بعض الظالمين بعضًا } أي : نَكَّل بعضهم إلى بعض ، أو نجعل بعضًا يتولى بعض فيقويهم ، أو : أولياءهم وقرناءهم في العذاب ، كما كانوا قرناء في الدنيا ، وذلك التولي والتسليط { بما كانوا يكسبون } من الكفر والمعاصي . الإشارة : ليست الآية خاصة بالكفار ، بل كان عَوَّق الناسَ عن طريق الخصوص ، واستكثر من العموم بأن أبقاهم في حزبه ، يقال له : يا معشر أهل الرياسة قد استكثرتم من العموم ، فيقول أهل اليمين من العموم : ربنا استمتع بعضنا ببعض فتبعناهم في الوقوف مع الحظوظ والعوائد ، وتمتعوا بتكثير سوادهم بنا وتنعيش رياستهم ، مع ما يلحقهم من الارتفاق من قِبلنا ، فيقول الحق تعالى : نار القطيعة والحجاب مثواكم خالدين فيها ، إلا وقت الرؤية مع عوام الخلق ، وهذه عادته تعالى : يولي بعض الغافلين بعضًا بسبب غفلتهم . وفي قوله تعالى : { إلا ما شاء الله } إرشاد إلى استعمال الأدب ، وردُ الأمور كلها إلى رب الأرباب ، وعدم التحكيم على غيب مشيئته وعلمه ، وقوفًا مع ظاهر الوعد أو الوعيد ، فالأكابر لا يقفون مع وعد ولا وعيد ، كقول عيسى عليه السلام : { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ المَائدة : 118 ] ، وكقوله إبراهيم عليه السلام : { وَلآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلآَّ أَن يَشَآءَ رَبِي شَيْئًا } [ الأنعَام : 80 ] الآية ، وكقوله : { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ إبراهيم : 36 ] ، وكقول شعيب عليه السلام : { وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلآَّ أَن يَشَآءَ اللهُ رَبُّنَا } [ الأعرَاف : 89 ] ، وكاستغفار نبينا صلى الله عليه وسلم للمنافقين قبل نزول النهي ، وبعد نزوله ، { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً … } [ التّوبَة : 80 ] الآية . وكقوله ، يوم بدر : " إن تهلك هذه العصابة لن تعبد " ، مع تقدم الوعد بالنصر ، وكخوف موسى بعد قوله : { لآ تَخَافَآ إِنَّني مَعَكُمَآ … } [ طه : 46 ] الآية . ومنه : خوف الأكابر بعد تأمينهم لأن ظاهر الوعد والوعيد لا يقضي على باطن المشيئة والعلم ، ومثله يجري في سورة هود في قوله : { إَلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [ هُود : 107 ] ، وفي سورة يوسف : { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } [ يُوسُف : 110 ] بالتخفيف ، وغير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة ، وانظر الورتجبي . فقد انفرد بمقالة ، بعد حكاية اتفاق مذاهب المسلمين جميعًا على عدم غفران الشرك ، ولكن قول عيسى عليه السلام : { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ … } الآية ، يشير إلى ما أشار إليه ابن عباس وابن مسعود في قوله تعالى : { خَالِدينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [ هود : 107 ] قال : تؤمر النار أن تأكلهم وتفنيهم ، ثم يجدد خلقهم ، ويرجى من كرم الله ولطفه إدخالهم بعد ذلك الجنة ، قال : وهذا مرجو ، ليس بمعتقد أهل السنة . هـ . قال في الحاشية : وهو يرجع عند التحقيق إلى طرح الأسباب وعدم الوقوف معها ، نظرًا إلى أن الحق تعالى لا يتقيد في وعيد ولا وعد ، فمن غلبه النظر إليه ، سرى إليه الرجاء في عين التخويف ، كما أنه يسري الخوف في عين الرجاء ، لكونه اقتطع من الوقوف مع خصوص وصف ، ولما كانت تلك الحالة هي عين الأدب اللائق بالعبودية مع الله تعالى أرشد تعالى إليها بقوله : { إلا ما شاء الله } ، { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [ هُود : 107 ] ، وهو حال أهل الحقيقة ، والوقوف مع خصوص الوعد أو الوعيد حال أهل الشريعة . انتهى ببعض اختصار . وقد رد الثعالبي هذه المقالة التي حكاها الورتجبي . ثم وبخهم على عدم الإيمان بالرسل ، فقال : { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } .