Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 12-13)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : جملة { ليجمعنّكم } : مقطوعة ، جواب لقسَم محذوف ، وقيل : بدل من الرحمة ، وهو ضعيف لدخول النون الثقيلة في غير موضعها . و " إلى " : هنا ، للغاية ، كما تقول : جمعتُ القوم إلى داري . وقيل : بمعنى " في " و { الذين خسروا } : مبتدأ ، وجملة : { فهم لا يؤمنون } : خبر ، و { له ما سكن } : عطف على { لله } ، وهو إما من السكنى فلا حذف ، أو من السكون ، فيكون حذف المعطوف . أي : ما سكن وتحرَّك . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } للمشركين يا محمد : { لمن ما في السماوات والأرض } خلقًا وملكًا وعبيدًا ؟ . { قل } لهم هو : { لله } لا لغيره والقصد بالآية : إقامة البرهان على التوحيد وإبطال الشرك . وجاء ذلك بصيغة الاستفهام لإقامة الحجة على الكفار ، فسأل أولاً ، ثم أجاب عن سؤاله بنفسه لأنَّ الكفار يُوافقون على ذلك ضرورة ، فثبت أن الإله الحق هو الذي له ما في السماوات والأرض ، وإنما يحسُن أن يكون السائلُ مجيبًا إذا عُلِم أن خَصمَه لا يخالفُه في الجواب الذي يقيم به الحجة عليه . ثم دعاهم إلى الإيمان والتوبة بتلطُّف وإحسان فقال : { كتب على نفسه الرحمة } { أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوَءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأنعام : 54 ] كما في الآية الأخرى ، والكتابةُ هنا عبارة عن القضاء السابق ، وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " إنَّ اللهَ كتَبَ كتابًا قبلَ أن يَخلُقَ السَّماواتِ والإرضَ فَهُوَ عِندَه " وفيه : " أنَّ رَحمَتِي سبقَت غَضَبي " ، وفي رواية : " تَغّلِبُ غضبي " . قال البيضاوي : { كتب على نفسه الرحمة } أي : التزمها تفضلاً وإحسانًا ، والمراد بالرحمة : ما يعُمُّ الدارين ، ومن ذلك : الهداية إلى معرفته ، والعلم بتوحيده ، بنصب الأدلة ، وإنزال الكتب والإمهال على الكفر . هـ . ثم ذكر محل ظهور هذه الرحمة ، فقال : واللهِ { ليجمعنّكم إلى يوم القيامة } أي : ليجمعنكم من القبور مبعوثين إلى يوم القيامة فيُجازي أهل التوبة والإيمان ، ويعاقب أهل الشرك والكفران ، { لا ريب } في ذلك اليوم ، أو في ذلك الجمع ، فيظهر أهل الخسران من أهل الإحسان ، ولذلك قال : { الذين خسروا أنفسهم } بتضييع رأس مالهم ، وهو النظر الصحيح الموجِب للإيمان والتوحيد { فهم لا يؤمنون } حتى أدركهم الموت فلا خسران أعظم من ذلك . ودخلت الفاء في الخبر للدلالة على أن عدم إيمانهم مسبّب عن خسرانهم فإن إبطال النظر ، والانهماك في التقليد واتباع الوهم ، أدَّى بهم إلى الإصرار على الكفر ، والامتناع من الإيمان إلى الممات . فخسروا أولاً بتضييع النظر ، فتسبب عنه عدم الإيمان . ثم تمّم جوابه فقال : { وله ما سكن } أي : قل لهم : ما في السماوات والأرض لله ، وله أيضًا ما سكن { في الليل والنهار } أي : ما استقر فيهما وما اشتملنا عليه ، أو ما سكن فيهما وتحرك ، { وهو السميع } لكل مسموع ، { العليم } بكل معلوم فلا يخفى عليه شيء في الليل والنهار ، في جميع الأقطار . الإشارة : إذا علم العبد أن الخلق كلهم في قبضة الله ، وأمورهم كلها بيد الله ، أحاط بهم علمًا وسمعًا وبصرًا ، لم يبق له على أحد عتاب ، ولا ترتيبُ خطأ ولا صواب ، إلاَّ ما أمرت به الشريعةُ على ظاهر اللسان . بل شأنه أن ينظر إلى ما يفعل المالك في ملكه . فيتلقاه بالقبول والرضى ، وفي الحِكَم : " ما تَركَ من الجهل شيئًا مَن أراد أن يُظهر في الوقت غيرَ ما أظهره الله فيه " . هذا شأن أهل التوحيد يدوُرون مع رياح الأقدار حيثما دارت ، غيرَ أنهم يتحنَّنون بقلوبهم إلى رحمة الكريم المنان ، وينهضون بهمتهم إلى مَظانّ السعادة والغفران ، ويرجون منه الجمع عليه في روح وريحان ، وجنة ورضوان ، بمحض فضل منه وإحسان . جعَلَنَا الله منهم بفضله وكرمه . آمين . ثم أقام الحجة على أهل الشرك ، فقال : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } .