Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 14-18)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { فاطر } : نعت لله ، ومعناه : خالق ومبدع . قال ابن عباس رضي الله عنه : ما كُنت أعرف معنى فاطر ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطَرتها بيدي . وجملة : { وهو يطعم } : حال ، وقُرِىء بعكس الأول ببناء الأول للمفعول ، والثاني للفاعل ، على أن ضمير { هو } راجع لغير الله ، وببنائهما للفاعل على معنى يُطعِم تارة ، ويمنع أخرى ، كقوله : { يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ } [ البَقَرَة : 245 ] ، وجملة { إن عصيتُ } : معترضة بين الفعل والمفعول ، والجواب : محذوف دل عليه ما قبله ، أي : إن عصيتُ فإني أخاف عذاب يوم عظيم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } لهم يا محمد : { أغير الله أتخذ وليًّا } أي : معبودًا أُواليه بالعبادة والمحبة ، وأُشركه مع الله الذي أبدع السماوات والإرض ، { وهو } الغني عما سواه ، الصَّمَداني ، { يُطعِمُ } ولا يحتاج إلى من يُطعمه ، فهو يَرزُق ولا يُرزق ، وتخصيص الطعام لشدة الحاجة إليه { قُل } لهم : { إني أُمرتُ أن أكون أول من أسلم } ، وأنقاد بكُلّيتي إلى هذا الإله الحقيقي ، العني بالإنطلاق ، وأرفضُ كل ما سواه ، ممن عمّه الفقرُ ابتداءً ودوامًا . فكان عليه الصلاة والسلام هو أولَ سابق إلى الدين . ثم قيل له : { ولا تكونن من المشركين } تنفيرًا لغيره من الشرك ، وإلاّ فهو مبرَّأ منه عليه الصلاة والسلام ـ . { قل إني أخاف إن عصيت ربي } بالشرك وغيره { عذاب يوم عظيم } ، وهذه مبالغة أخرى في قطع أطماعهم ، وتعريض لهم بأنهم عصاة ، مستوجبون للعذاب ، { من يُصرف عنه } ذلك العذاب ، { يومئدٍ } أي : يوم القيامة ، { فقد رحمه } أي : نجاه ، وأنعم عليه ، { وذلك الفوز المبين } أي : وذلك الصرف أو الرحمة هو الفلاح المبين . ثم ذكر حجة أخرى على استحقاقه للعبادة والولاية ، فقال : { وإن يمسسك الله بضرّ } كمرض أو فقر ، { فلا كاشف له إلا هو } إذ لا يقدر على صرفه غيره ، { وإن يمسسك بخير } بنعمة ، كصحة وغنى ومعرفة وعلم ، { فهو على كل شيء قدير } ، فهو قادر على حفظه وإدامته ، ولا يقدر أحد على دفعه ، كقوله تعالى : { فَلآ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } [ يُونس : 107 ] ، { وهو القاهر } لجميع خلقه كلهم في قبضته ، { فوق عباده } بهذه القهرية والغلبة والقدرة ، { وهو الحكيم } في صنعه وتدبيره ، { الخبير } بخفايا أمور عباده ، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم الباطنة والظاهرة . الإشارة : في الآية حَضٌّ على محبة الحق ، وولايته على الدوام ، ورفض كل ما سواه ممن عمَّه الفقر من الأنام ، وفيها أيضًا : حثّ على المسابقة إلى الخيرات ، والمبادرة إلى الطاعات ، اقتداء بسيد أهل الأرض والسماوات ، فكان عليه الصلاة والسلام أول من عبد الله ، وأول من توجه إلى مولاه ، قال تعالى : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعابِِِدِينَ } [ الزّخرُف : 81 ] ، فلو جاز أن يتخذ ولدًا ، لكنت أنا أولى به ، لأني أنا أول من عبده . قال الورتجبي : { قل إني أُمرت أن أكون أول من أسلم } أي : أمرني حين كنت جوهر فطرة الكون حيث لم يكن غيري في الحضرة أن أكول أول الخلق في المحبة والعشق والشوق ، وأول الخلق له منقادًا بنعت محبتي له ، راضيًا بربوبيته ، غير منازع لأمر مشيئته . وقال بعضهم : أكون أول من انقاد للحق إذا ظهر . هـ . ولما قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد : لقد سألنا عنك اليهود والنصارى ، فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة ، فأرِنا مَن شهد لك ؟ أنزل الله تعالى : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } .