Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 158-158)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { هل ينظرون } أي : ما ينتظر أهل مكة { إلا أن تأتيهم الملائكة } لقبض أرواحهم ، أو بالعذاب ، لأجل كفرهم ، وهم لم يكونوا ينتظرون ذلك ، ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظرين ، { أو يأتي ربك } أي : أمره بالعذاب ، { أو يأتي بعض آيات ربك } يعني : أشراط الساعة . وعن حذيفة والبراء بن عازب : كنا نتذاكر الساعة ، إذ أشرق علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ما تداكرون " قلنا : نتذاكر الساعة ، فقال : " إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات : الدجال ودابة الأرض ، وخسفًا بالمشرق ، وخسفًا بالمغرب ، وخسفًا بجزيرة العرب ، والدخان ، وطلوع الشمس من مغربها ، ويأجوج ومأجوج ، ونزول عيسى ، ونارًا تخرج من عدن " . { يوم يأتي بعض آيات ربك } ، وهو طلوع الشمس من مغربها ، كما في حديث الصحيحين ، قال الأقليشي : وذلك أن الله تعالى ، إذا أراد طلوعها من مغربها ، حبسها ليلة تحت العرش ، فكلما سجدت وأستأذنت لم يجر لها جواب ، حتى يحبسها مقدار ثلاث ليال ، فيأتيها جبريل عليه السلام فيقول : إن الرب تعالى يأمرك أن ترجعي إلى مغربك فتطلعي منه ، وأنه لا ضوء لك عندنا ولا نور ، فتبكي عن ذلك بكاء يسمعها أهل السبع سماوات ، ومن دونها ، وأهل سرادقات العرش وحملته من فوقها ، فيبكون لبكائها مما يخالطهم من خوف الموت ، وخوف يوم القيامة ، قال : فيبيت الناس ينتظرون طلوعها من المشرق ، فتطلع الشمس والقمر خلف أقفيتهم من الغرب ، أسودين مُكدرين ، كالقارتين ، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، فيتصايح أهل الدنيا ، وتذهل الأمهات عن أولادها ، والأحبة عن ثمرة قلوبها ، فتشتغل كل نفس بنفسها ، ولا ينفع التوحيد حينئذٍ . هـ . وهو معنى قوله تعالى : { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها } كالمحتضر إذا صار الأمر عيانًا ، وإنما ينفع الإيمان بالغيب ، وقد فات يومئذٍ ، فلا ينفع الإيمان نفسًا { لم تكن آمنت من قبل } ولا تنفع التوبة من المعاصي وترك الواجبات حينئذٍ لقوله : { أو كسبت في إيمانها خيرًا } أي : لا ينفع نفسًا مؤمنة لم تكن كسبت خيرًا قبل ذلك اليوم ، حيث كانت فرطت فيه قبل : وينفع اكتسابه بعد . والحاصل : أن طلوع الشمس من مغربها يُغلق بعده بابُ التوبة فلا يقبل الإيمان من كافر ، ولا التوبة من عاصٍ ، وأما الإيمان المجرد عن العمل ، إذا كان حاصلاً قبل ذلك اليوم ، فإنه ينفع على مذهب أهل السنة ، وكذلك العاصي بالبعض ينفعه بعض الذي كان يعمله ، كالزاني مثلاً ، إذا كان يصلي ، فتنفعه صلاته ويعاقب على العصيان ، وهكذا ، والمنفي قبوله : إنما هو الخير المتروك قبل ذلك اليوم ، فلا ينفع استدراكه بعد . ثم قال تعالى : { قل انتظروا } إتيان أحد الثلاثة الملائكة بعذابكم ، أو أمر الله تعالى بإهلاككم ، أو بعض آياته ، { إنا منتظرون } ذلك ، لنا الفوز وعليكم الويل . الإشارة : ما ينتظر الغافلون والمنهمكون في اللذات والشهوات والإعراض عن الله إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم فجأة ، فيموتون على الغفلة ، فتنزل بهم الحسرة والندم ، وقد زلت القدم بهم ، أو يأتي أمر الله بطردهم والطبع على قلوبهم ، فلا ينفعهم وعظ ولا تذكير ، أو يأتي بعض آيات ربك مصيبة أو داهية تثقل قلوبهم عن التوجه إلى الله ، وجوارحهم عن طاعة الله . فالغافل والعاصي بين هذه الثلاثة ، إن لم يقلع ويتب . والله تعالى أعلم . ثم أمرهم بالإعراض عن أهل الإعراض ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً } .