Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 19-19)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ … } قلت : { قل الله شهيد } : يحتمل المبتدأ والخبر ، أو يكون { الله } خبرًا عن مضمر ، أو مبتدأ حُذف خبره ، و { شهيد } : خبر عن مضمر ، أي : قل هو الله ، أو الله أكبر شهادة ، وهو شهيد بيني وبينكم ، و { من بلغ } : عطف على مفعول ، " أنذر " ، أي : لأنذركم يا أهل مكة ، وأنذر من بلغه القرآن ، وحذف مفعول { بلغ } . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } يا محمد للذين سألوك مَن يشهد لك بالنبوة : { أيُّ شيء } عندكم هو { أكبر شهادة } ؟ فإن لم يجيبوا فقل لهم : هو { الله } فإنه أكبر الشاهدين ، وهو الذي يشهد لي بالنبوة والرسالة بإقامة البراهين وإظهار المعجزات ، وهو { شهيد بيني وبينكم } ، وكفى به شهيدًا . { وأُوحي إليَّ هذا القرآن لأُنذركم به } أي : لأخوّفكم به ، إن أعرضتم عنه ، وأُبشِّركم به إن آمنتم به ، واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة لأنه مصرح به في موضع آخر ، ولأن الأهم هنا هو الإنذار لغلبة الكفر حينئذٍ ، وأُنذر به أيضًا كل من بلغه القرآن من الأحمر والأسود ، والجن والإنس إلى يوم القيامة . وفيه دليل على أن أحكام القرآن تعُم الموجودين وقت النزول ومَن بعدَهم ، وأنه لا يؤاخذ بها من لم تبلغه ، وهو نادر ، قال سعيد بن جبير : مَن بلَغه القرآن فكأنما رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم . الإشارة : في الآية حثٌّ على اكتفاء بعلم الله ، والاستغناء به عما سواه ، وعلامةُ الاكتفاء بعلم الله ثلاث : استواء المدح والذم ، والرضى بالقليل والكثير ، والرجوع إلى الله وحده في السراء والضراء . واعلم أن الحق تعالى إذا شهد لك بالخصوصية ، ثم اكتفيت بشهادته فأنت من أهل الخصوصية ، وإن لم تكتف بشهادته ، وتطلعت إلى أن يعلم الناس بخصوصيتك ، فأنت كاذب في دعوى الخصوصية . واطلاع الحق تعالى على ثبوت خصوصيتك هو شهادته لك ، فاقنع بعلم الله ، ولا تلتفت إلى أحد سواه ، لئلا ينزعَها مِن قلبك ، حيث لم تقنع بعلم الله فيك . وبالله التوفيق . ولمّا أتى قومٌ من الكفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد أما تعلم أن مع الله إلهًا آخر ؟ أنزل الله تعالى : { … أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } قلت : الاستفهام للإنكار والتوبيخ . يقول الحقّ جلّ جلاله : في الإنكار على المشركين : { أئنكم لتشهدون أنَّ مع الله آلهة أُخرى } تستحق أن تعبد { قل } لهم يا محمد : أنا { لا أشهدُ } بما تشهدون به ، { قل } لهم : { إنما هو إله واحد } بل أشهد ألا إله إلا هو ، { وإنني بريءٌ مما تُشركون } به من الأصنام . الإشارة : لم يَبرَأ من الشرك الخفي والجلِي إلا أهلُ الفناء الذين وحدوا الله في وجوده ، فلم يروَا معه سواه ، قال بعضُ من بلغ هذا التوحيد : لو كُلفت أن أرى غيره لم أستطع فإنه لا غيرَ معه حتى أشهده وقال آخر : مُحَالٌ أن تشهده وتشهد معه سواه . وقال شاعرهم : @ مُذ عَرَفتُ الإلَه لَم أرَ غَيرًا وَكَذَا الغَيرُ عِندَنَا مَمنُوعُ @@ إلى غير ذلك من مقالاتهم الدالة على تحقيق وجدانهم . نفعنا الله بذكرهم ومحبتهم . آمين . ولمّا قالت قريش : قد سألنا اليهود والنصارى عنك ، فلم يجدوا لك عندهم ذكراً ، ردّ الله عليهم ، فقال : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } .