Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 1-1)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { ثم الذين كفروا } : عطف على جملة الحمد على معنى : أن الله حقيق بالحمد على ما خلقه ، نعمةً على العباد ، ثم الذين كفروا بربهم الذي ربَّاهم بهذه النعم ، يَعدِلون به سواه من الأصنام ، يقال : عدَلت فلانًا بفلان جعلته نظيره ، أو عطف على " خلَق وجعل " : على معنى أنه خلق وقدّر ما لا يقدر عليه غيره ، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء . ومعنى { ثم } : استبعاد عدولهم بعد هذا البيان . والباء في " بربهم " متعلقة بكفروا ، على الأول ، وبيعدلون على الثاني ، قاله البيضاوي . يقول الحقّ جلّ جلاله : { الحمد لله } أي : جميع المحامد إنما يستحقها الله ، إذ ما بكم من نعمة فمن الله . { الذي خلق السماوات } التي تُظِلُّكم ، مشتملة على الأنوار التي تضيء عليكم ، ومحلاً لنزول الرحمات والأمطار عليكم ، { و } خلق { الأرض } التي تُقلُّكم ، وفيها نبات معاشكم في العادة ، وفيها قراركم في حياتكم وبعد مماتكم ، مشتملة على بحار وأنهار ، وفواكه وثمار ، وبهجة أزهار ونِوار ، { وجعل الظلمات } التي تستركم ، راحة لأبدانكم وقلوبكم ، كظلمات الليل الذي هو محل السكون . { و } جعل { النور } الذي فيه معاشكم وقوام أبدانكم وأنعامكم . { ثم الذين كفروا } بعد هذا كله ، { يعدلون } عنه إلى غيره ، أو يعدلون به سواه ، فيُسوَونه في العبادة معه . قال البيضاوي : وجمع السماوات دون الأرض وهي مثلهن لأن طبقاتها مختلفة بالذات ، متفاوتة الآثار والحركات ، وقدَّمها لشرفها وعلو مكانها . ثم قال أيضًا : وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والأجرام الحاملة لها ، أو لأن المراد بالظلمة : الضلال ، وبالنور : الهُدى . والهدى واحد والضلال متعدد . وتقديمها لتقدم الإعدام على المَلَكَهِ . ومن زعم أن الظلمة عرَضٌ يُضاد النور احتج بهذه الآية ، ولم يعلم أن عدم الملكَة كالعمي ليس صِرف العدم حتى لا يتعلق به الجعل . هـ . الإشارة : أثنى الحقّ جلّ جلاله على نفسه بإنشاء هذه العوالم ، التي هي محل ظهور عظمته وجلاله وجماله وبهائه . فأنشأ سموات الأرواح ، التي هي مظهر لشروق أنوار ذاته وصفاته ، ومحل لظهور عظمة ربوبيته ، وأنشأ أرض النفوس ، التي هي مظهر لتصرف أقداره ، ومحل لظهور آداب عبوديته ، وتجلى بين الضدين بين الظلمات والنور ، ليقع الخفاء في الظهور ، كما قال بعض الشعراء : @ … لقد تكامَلَت الأضدادُ في كاملِ البهَا @@ ثم بعد هذا الظهور التام ، عدل عن معرفتهُ جلُ الأنام ، إلا من سبقت له العناية من المِلك العلام ، وبالله التوفيق . ثم برهن على كمال قدرته ، فقال : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } .