Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 25-26)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { مَنْ } : لفظها مفرد ومعناها جمع ، فيجوز في الضمير مراعاة اللفظ فيُفرد ، كقوله هنا : { ومنهم من يستمع إليك } ، ويجوز مراعاة المعنى فيجمع ، كقوله في يونس : { وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } [ يُونس : 42 ] ، والأكِنَّة : الأغطِية ، جمع كنان ، و { أن يفقهوه } : مفعول له أي : كراهية أن يفقهوه ، و { حتى } : غاية ، أي : انتهى التكذيب حتى وصلوا إليك يجادلونك ، والجملة بعدها : إمَّا في محل جر بها ويجادلونك جواب لها ، و { يقول } : تبيين لها ، وإما لا محل لها فتكون ابتدائية . والأساطير : جمع أسطورة ، أو أسطار جمع سَطر ، فيكون جمع الجمع . يقول الحقّ جلّ جلاله : ومن الكفار { من يستمع إليك } حين تقرأ القرآن ، والمراد : أبو سفيان والوليد والنضر وعُتبة وشَيبَة وأبو جهل وأضرابهم ، اجتمعوا فسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ، فقالوا للنضر : ما تقول ؟ فقال : والذي جعلها بيننا وبينه ما أدري ما يقول ، إلا أنه يحرك لسانه ، ويقول أساطير الأولين ، مثل ما جئتُكم به . قال السُّهَيلي : حيث ما ورد في القرآن : " أساطير الأولين " فإنَّ قائلها هو النضر بن الحارث ، وكان قد دخل بلاد فارس وتعلَّم أخبار ملوكِهم ، فكان يقول : حديثي أحسنُ من حديث محمد ، فنزلت فيه وفي أصحابه . { وجعلنا على قلوبهم أكنَّةً } أي : أغطية كراهة { أن يفقهوه } لما سبق لهم من الشقاء ، { و } جعلنا { في آذانهم وقرًا } أي : ثقلاً وصمَمًا فلا يسمعون معانيه ، ولا يتدبرونها . { وإن يَرَوا كلَّ آية } ومعجزة { لا يؤمنوا بها } لفرط عنادهم ، واستحكام التقليد فيهم ، وسبقِ الشقاء لهم ، فلا يزال التكذيب والشك يعظُم فيهم { حتى إذا جاؤوك يجادلونك } أي : حتى ينتهي بهم التكذيب إلى أن يجيؤوك يجادلونك { يقول الذين كفروا إن } أي : ما { هذا إلا أساطير } أي : أكاذيب { الأولين } ، فإنَّ جَعلَ أصدق الحديث خرافاتِ الأولين غايةٌ التكذيب . { وهم } أيضًا { يَنهون عنه } أي : ينهون الناس عن القرآن ، أو عن الرسول والإيمان به ، { وينأون عنه } أي : يبعدون عنه ، فقد ضلوا وأضلوا ، أو يَنهون عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينأون عنه فلا يؤمنون ، كأبي طالب ومن كان معه ، يحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مكة . وفي { ينهون } ضربٌ من ضروب التجنيس من علم البلاغة . قال تعالى : { وإن } أي : ما { يُهلكون } بذلك { إلا أنفسهم وما يشعرون } أن ضررهم لا يتعداهم إلى غيرهم . الإشارة : اعلم أن القلب تحجبه عن تدبر كلام الله والتمتع بحلاوته أربعةُ حُجُب : الأول : حجاب الكفر والشرك ويندفع بالإيمان والإسلام . والثاني : حجاب المعاصي والذنوب ، وينخرق بالتوبة والانقلاع . والثالث : حجاب الانهماك في الحظوظ والشهوات واتباع الهوى ، وينخرق بالزهد والورع والتعفف ونوع من الرياضة . والرابع : حجاب الغفلة والخوض فيما لا يعني ، والاشتغال بالبطالة ، وينخرق باليقظة والتوجه إلى الحق ، والانقطاع إلى الله بكليته ، فإذا انخرقت هذه الحجب عن القلب ، تمتع بحلاوة القرآن ومناجاة الحق على نعت القرب والمراقبة . وبقي حجابان آخران ، إذا خرقهما العبد أفضى إلى مشاهدة المتكلم دون واسطة ، أولهما : حجاب حلاوة الطاعة والمعاملة الظاهرة ، والوقوف مع المقامات أو الكرامات ، فإنها عند العارفين سموم قاتلة . وثانيهما : حجاب الوهم والوقوف مع ظاهر الحس ، دون الوصول إلى باطنه ، فيقف مع الأواني دون شهود المعاني ، وقد قال الششتري : @ لاَ تَنظرُ إلَى الاوانِي وَخُضْ بَحْر الْمعَانِي لعلَّك تَرَانِي @@ وقال الغزالي : الموانع التي تحجب القلب عن الفهم أربعة : الأول : جعل الفهم مقصورًا على تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها ، فهذا يتولى حفظه شيطان وكُلِّ بالقراء ، يصرفهم عن معاني كلام الله تعالى . والثاني : أن يكون مقلدًا لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه ، من غير وصول إليه ببصيرة . الثالث : أن يكون مصرًا على ذنب ، أو متصفًا بكبر ، أو مبتلى بهوى في الدنيا مطاع ، فإن ذلك سبب ظلمة القلب ، وهو كالخبءِ على المرآة ، فيمنع جلية الحق فيه ، وهو أعظم حجب القلب ، وبه حُجب الأكثرون ، الرابع : أن يكون قد قرأ تفسيرًا ظاهرًا ، واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن إلاَّ ما يتأوّل عن ابن عباس ، ومجاهد وغيرهما ، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي منهي عنه ، فهذا أيضًا من الحجب العظيمة ، فإن القرآن بحرٌ لا ساحل له ، وهو مبذول لمن يغرف منه إلى يوم القيامة ، كل على قدر سعته وصفاء قلبه . هـ . بالمعنى . ثم هددهم بما أعدّ لهم يوم القيامة ، فقال : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } .