Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 29-32)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { وقالوا } أي : الكفار في إنكار البعث : { إن هي } أي : الحياة { إلا حياتنا الدنيا } لا حياة بعدها ، { وما نحن بمبعوثين } ، قال جل جلاله : { ولو ترى إذ وُقفوا على ربهم } ، كناية عن حبسهم للسؤال والتوبيخ ، أو : وقفوا على قضاء ربهم بين عباده ، وعرفوه حق التعريف ، قال لهم الحق جل جلاله : { أليس هذا } الذي كنتم تُنكرونه ، { بالحق قالوا بلى وربنا } إنه لحق ، ولكنا كنا قومًا ضالين ، وهو إقرار مؤكد باليمين ، لانجلاء الأمر غاية الجلاء ، قال تعالى لهم : { فذوقوا } أي : باشروا { العذاب بما كنتم تكفرون } أي : بسبب كفركم . { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } ، حيث فاتهم النعيم ، واستوجبوا العذاب المقيم ، والمراد بلقاء الله : البعث وما يتبعه . فاستمروا على التكذيب { حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة } أي : فجأة { قالوا يا حسرتنا } أي : يا هلكتنا { على ما فرطنا } أي : قصَّرنا { فيها } أي : في الحياة الدنيا ، أو في الساعة ، أي : في شأنها والاستعداد لها ، { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } ، كناية عن تحمل الذنوب ، لأن العادة حمل الأثقال على الظهور ، وقيل : أنهم يحملونها حقيقة ، وقد رُوِي : أن الكافر يركبه عمله ، بعد أن يتمثل له في أقبح صورة ، وأن المؤمن يركب عمله ، بعد أن يتصور له في أحسن صورة . قال تعالى في شأن الكفار : { ألا ساء ما يزرون } أي : بئس شيئًا يَزِرُونَهُ ويرتكبونه في الدنيا وزرهم هذا ، الذي يتحملونه على ظهورهم يوم القيامة . وسبب هذا : الركون إلى دار الغرور ونيسان دار الخلود ، ولذلك قال تعالى بإثره : { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } أي : وما أعمالها إلا لعب ولهو ، تُلهي الناس وتشغلهم عما يعقب منفعة دائمة ولذة حقيقية ، وما مدة بقائها مع ما يعقبها من الفناء إلاَّ كمدة اللعب واللهو ، إذ لا طائل تحته لمن لم يعمر أوقاتها بطاعة ربه ، { وللدار الآخرة خير للذين يتقون } لدوامها وخلوص نعيمها وصفاء لذاتها ، { أفلا تعقلون } أيّ الأمرين خير ، هل دار الخراب والفناء ، أو دار النعيم والبقاء ، وفي قوله : { للذين يتقون } : تنبيه على أن ما ليس من أعمال المتقين كله لعب ولهو . الإشارة : إذا كمل نور العقل حصل لصاحبه التمييز بن الحق والباطل ، وبين الضار والنافع ، فنظر بعين اعتباره إلى الدنيا ، فوجدها ذاهبة فانية ، ونظر إلى الآخرة ، فرآها مقبلة باقية دائمة ، فصدف عن الدنيا مُوليًا ، وأعرض عن زهرتها مدبرًا ، وأقبل بكليته إلى مولاه ، غائبًا عن كل ما سواه ، فجعل الموت وما بعده نصب عينيه ، وخلف الدنيا وراء ظهره أو تحت قدميه . وفي الحِكم : " لو أشرق نور اليقين في قلبك ، لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها ، ولرأيت الدنيا ، وكسفَةُ الفناء ظاهرة عليها " وقال بعض الحكماء : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى ، والأخرة من طين يبقى ، لاختار العاقل ما يبقى على ما يفنى ، ولا سيما والأمر بالعكس ، الدنيا من طين يفنى والآخرة من ذهب يبقى . فلا يختار هذه الدار إلا من لا عقل له أصلاً . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " الدُّنيا دَارُ مَن لا دَار لَه ، وَمَالُ مَن لا مَالَ لَهُ ، لَهَا يَجَمعُ مَن لاَ عَقل لَهُ ، وعلَيها يُعَادى مَن لا عِلم عِنده " أو كما قال عليه الصلاة والسلام . ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما لقي من قومه ، فقال : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ } .